السلام الذى نبحث عنه
السلام يعنى الأمان ، وهو نعمة من أجل نعم الله التى امتن بها سبحانه وتعالى على خلقه ، حيث يقول سبحانه : «الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ» ويقول سبحانه : «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ» (النحل : 112) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِى سِرْبِهِ مُعَافًى فِى جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا».
والأمن كالصحة ، فكما أن الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يعلم قدرها إلا من فقد صحته أو جانبًا منها فإن أمن الإنسان فى وطنه على نفسه وماله وعرضه تاج على رءوس الوطنيين الشرفاء لا يستشعر عظمته إلا من ابتلوا بالخوف والتشرد داخل أوطانهم أو خارجها .
فالأمن والأمان والسلم والسلام غاية كل نبيل وشريف ، وتحقيق السلام مطلب ديني ووطني وغاية إنسانية مشتركة ، فألفاظ : السلم ، والسلام ، والسلامة ، والإسلام ، كلها تنبع من جذر لغوى واحد هو «سلم» ، وأهم ما يميز هذا الجذر اللغوي دلالته على معانى السلم والمسالمة ، وفى هذا السياق يأتي حديث نبينا (صلى الله عليه وسلم) : «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ» ، وهو ما يعنى انتفاء وقوع أى أذى منه لأى إنسان على ظهر البسيطة ، ذلك لأن الأذى إما أن يكون قولًا وإما أن يكون فعلًا، واللسان رمز للقول ، واليد رمز للفعل : كتابة أو رسمًا أو ضربًا أو نحو ذلك ، وإذا انتفى وقوع الأذى قولًا أو فعلًا انتفى وقوعه مطلقًا وهكذا يكون المسلم مفتاحًا لكل خير مغلاقًا لكل أذى أو شر ، سلمًا مع الكون كله ، مع البشر والحجر والشجر ، مع الإنسان والحيوان والجماد .
غير أن السلام الذى ننشده ونبحث عنه هو السلام العادل ، سلام الأقوياء الشجعان الذى له درع وسيف وقوة تحفظه وتحميه ، مما يُحتم علينا الأخذ ببناء قوة عصرية حديثة تحمى ولا تبغى ، فقوة الردع أهم من مواجهة الحرب ، فالدول التي تمتلك القوة تحقق ردعًا قد لا يُدخلها حربًا أصلًا ، ما دام هدفها هو السلام وحماية أمنها لا البغي ولا العدوان على غيرها ، وما دامت قوتها قوة رشيدة تحمى ولا تبغى ،
والسلام هو البديل الحقيقي للحرب ولظلم الإنسان لأخيه الإنسان سواء أكان ظلمًا مباشرًا أم غير مباشر ، بقصد أو بدون قصد ، فالسلام لا يعنى فقط عدم المواجهة فى الحروب التقليدية والسلام الإنساني الذى ننشده أوسع من ذلك بكثير ، فاحتكار بعض الدول الدواء مثلًا فى أزمة كورونا أو الغذاء ظلم فادح لمن يحتاج إليه ، وعدم احترام بعض الدول اتفاقيات المناخ غير عابئة بتأثيرات التغيرات المناخية على الدول المعرضة لمخاطر هذه التغيرات ظلم فادح من الإنسان لأخيه الإنسان ولأبناء هذه الدول.
ونؤكد أن السلام لا يصنعه ولا يملكه أصلا الجبناء ولا الضعفاء ، إنما يحمل السلام ويصنعه الأقوياء، فشجاعة السلام لا تقل أبدًا عن شجاعة الحرب ، وهو ما نبعث به رسالة واضحة لكل عقلاء العالم، نقول لهم : تعالوا لنعالج معًا تداعيات انتشار فيروس كورونا والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، ونجعل من مبادرات السلام الحقيقية بديلًا لظلم الإنسان لأخيه الإنسان بقصد أو بغير قصد ، تعالوا معًا لكلمة سواء لننبذ كل مؤججات الحرب والاقتتال ونُحل محلها أُطر التعاون والتفاهم والتكامل والسلام .