*:مقالات

الجمال المعنوي فى القرآن الكريم

الجمال المعنوي فى القرآن الكريم

الكمال لله (عز وجل) وحده، ولكلامه، ولكتابه العزيز، فهو كتاب الكمال والجمال لغة وأسلوبًا ومعنى، فالجمال اللفظي والمعنوي معًا يتدفقان من كتاب الله (عز وجل) تدفقًا لا حدود له، ولا شاطئ له.

يقول الإمام عبد القاهر الجرجاني: هو الكلام الذى يهجم عليك الحسن منه دفعة واحدة، فلا تدرى أجاءك الحسن من جهة لفظه، أم من جهة معناه، فلا تكاد الألفاظ تصل إلى الآذان حتى تكون المعاني قد وصلت إلى القلوب .

وقد عنى القرآن عناية بالغة بترسيخ كل جوانب الجمال فى حياتنا، فتحدث عن القول الحسن الجميل لكل الناس فى قوله تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» (البقرة: 83)، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، موحدين أم غير موحدين، بل طالبنا القرآن الكريم أن نقول ما هو أحسن لا ما هو حسن فحسب، إذ يقول الحق سبحانه: «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (الإسراء: 53).

كما أن الحديث بالتي هي أحسن نعمة ومنّة وهداية وتوفيق من الله (عز وجل)، إذ يقول سبحانه: «وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ» (الحج : 24)، وقد كان الصحابة (رضوان الله تعالى عليهم) دائمًا ما يتخيرون الألفاظ والكلمات الطيبة.

فقد مرَّ عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) على قوم يوقدون النار بالليل، فقال: «السلام عليكم يا أهل الضوء»، ولم ينادهم (رضى الله عنه) بأهل النار كراهية إدخالهم تحت لفظ أهل النار ولو لفظًا .

وتحدث القرآن الكريم عن الدفع الحسن الجميل، وهو مقابلة السيئة بالحسنة، وليس مقابلتها بالسيئة، فمنزلة الصفح والعفو منزلة عظيمة وعالية، إذ يقول الحق سبحانه وتعالى: «وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (فصلت: 34-35)، ويقول (عز وجل): «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا» (الفرقان: 63).

وتحدث عن التحية الجميلة، فقال سبحانه: «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ الله كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا» (النساء : 86)، فالإسلام دين السلام، ونبينا (صلى الله عليه وسلم) نبى السلام، وتحيتنا السلام، وتحية أهل الجنة السلام، قال تعالى: «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ» (الأحزاب: 44)، وقال سبحانه: «وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار» (الرعد : 23 – 24).

وتحدث القرآن الكريم عن «العطاء الجميل»، وهو الذى لا مَنّ فيه ولا أذى معه، إذ يقول الحق سبحانه: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ الله ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة : 262)، ويقول سبحانه: «لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ» (آل عمران: 92).

وجاءت عجوز إلى الإمام الليث بن سعد (رحمه الله) تطلب كأسًا من العسل، فقال: أعطوها زقًّا (وعاءً كبيرًا) فقالوا: يا إمام إنما طلبت كأسًا، فقال: «هي طلبت على قدر حاجتها، ونحن نعطى على قدر نعم الله (عز وجل) علينا».

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى