*:مقالات

الزراعة والصناعة

الزراعة والصناعة

 

لا شك أن دولة ذات جيش قوى واقتصاد قوى تعنى دولة ذات مكانة ومواطنًا ذا كرامة، ولا شك -أيضا- أن الاقتصاد عصب الحياة وقوامها، وأن الزراعة والصناعة من أهم ركائزه ومقوماته.

أما الزراعة فلطالما تحدث القرآن الكريم عنها صراحة، وحثت عليها السنة النبوية المشرفة، وأعلت من مكانة الزارع، وأكدت عظيم ثوابه، إذ يقول الحق سبحانه: «وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ»، ويقول سبحانه :«أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَا مِن مُسلم يَغرِسُ غَرْسًا أو يَزرَعُ زَرْعًا فيأكُلُ مِنه طَيرٌ أو إنسَانٌ أو بهيْمَةٌ إلا كان لهُ بهِ صَدقَةٌ».

ولشرف الزراعة جعلها الإسلام من الصدقات الجارية التى يمتد ثوابها بعد موت صاحبها، يقول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «سبعٌ يجرى للعبدِ أجرُهنَّ، وَهُوَ فِى قَبْرِه بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ علَّم عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِه»؛ ذلك أن الزارع شارك فى عمارة الحياة، ولم يعش لنفسه فقط، إنما عاش مخلصًا باذلًا الخير لمجتمعه ولوطنه.

كل ذلك يدل دلالة واضحة على أهمية الزراعة والفلاحة، والحرص على عمارة الكون، فبالزراعة يحيا الإنسان والحيوان، إذ يقول الحق سبحانه: «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ».

وأما الصناعة فإن لها شأنًا عظيمًا ومكانة عالية، فهي أساس نهضة الأمم وتطورها، وبازدهارها تتوافر فرص العمل، ويتحقق التقدم الاقتصادي، والرقى المعيشي، فالصناعة بمقاييس أهل العلم والاقتصاد والخبراء هي قاطرة التنمية في عالمنا المعاصر، سواء كانت حرفية، أم يدوية، أم تقنية، أم صناعة موصلات، أم أشباه موصلات، أم صناعات تكنولوجية. فالصناعة قاطرة التنمية فى العصر الحديث، وقد تحدث القرآن الكريم عن قضية الصناعة، وعبَّر عنها تعبيرًا واضحًا قويًّا علينا أن نتنبه له، إذ يقول سبحانه لنوح (عليه السلام): «وَاصْنَعِ الْفُلْكَ»، وهو أمر واضح بالصناعة، وأهل العلم يقولون إن خطاب الله (عز وجل) للأمم السابقة هو خطاب لنا ولهم ما لم يأت ما يفيد أنه خاص بهم، ولم ينته الأمر على ذلك بل قال تعالى: «بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا»، أى قم بالصناعة بأمر من الله سبحانه، فالصانع المتقن بعين الله. ويقول سبحانه فى شأن داوود (عليه السلام): «وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ»، ويقول سبحانه: «وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ»، وذلك بيان بأهمية الصناعة، وفى هذا يقول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ»، يقول الإمام القرطبى (رحمه الله)، وقد خص النبى (صلى الله عليه وسلم) داود (عليه السلام) بالذكر من بين جميع الأنبياء (عليهم السلام)، لأنه كان نبيًا ملكًا، ولم يكن فى حاجة لأن يعمل ليتقوت، وإنما كان يعمل لشرف العمل، وقيمة العمل.

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى