*:مقالات

الاجتهاد والتجديد (1)

الاجتهاد والتجديد (1)

 يقولون: «من جدَّد فقد استُهدف»، وهذا أشبه ما يكون بالناموس الكوني، فمن ألِفوا ما وجدوا عليه آباءهم دون أن يُعملوا فيه عقولهم؛ صاروا أسرى لما ألفوه، لا يكادون يرون غيره.

وعندما نقرأ سير الأنبياء والمرسلين نرى أنه ما أُرسل نبى إلا قاومه قومه، وآذوه أو حاربوه، وقد قال ورقة بن نوفل لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حين قص عليه ما رأى بغار «حراء» أول نزول الوحي: لئن أدركت يومك حين يخرجك قومك لأنصرنك نصرًا مؤزرًا، فقال له (صلى الله عليه وسلم): أوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قالَ ورَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بما جِئْتَ به إلَّا أُوذِيَ” (صحيح البخاري)، وذهب الأمر ببعض بنى إسرائيل إلى قتل أنبيائهم. يقول سبحانه: «فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا».

وهذا سيدنا إبراهيم (عليه السلام) يحاج قومه فيقول: «مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِى أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِى ضَلَالٍ مُبِينٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِى فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ»، ثم يقول لهم -كما حكى القرآن الكريم على لسانه- : «أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ»، فما كان من قومه إلا أن: «قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ»، وإذا كان هذا هو الحال مع الأنبياء والمرسلين المعصومين فما بالكم به مع العلماء المجددين؟

ولمقاومة التجديد أسباب ودوافع من أهمها:

1ـ أصحاب المصالح من المتاجرين بالدين والمتكسبين به الذين رسخوا للمفاهيم الخاطئة، ونظَّروا لها عقودًا أو قرونًا، لدرجة أن بعضهم قد يُفتى بغير قناعاته حرصًا على جمهوره، فإذا أضيف إلى ذلك حب «التريند»، والرغبة فى مزيد من «اللايك والشير»، من أصحاب العصبية العمياء لما هو راسخ فى أذهان بعض العامة من المفاهيم الخاطئة على أنه الدين الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأدركنا خطورة ذلك الأمر، وحاجتنا إلى مواجهته بالحجة والإقناع والصبر وطول النفس.

2ـ التقليد الأعمى، والأمية الفقهية والأصولية، وما رسخته الجماعات الإرهابية والمتطرفة من السمع والطاعة الأعميين للمرشد، أو من ينوب عنه فى التراتبية داخل هذه الجماعات بما يشبه نظرية الأئمة عند الشيعة.

3ـ غياب أو ضعف المناهج والمدارس العقلية الرصينة التى تنطلق من باب إعمال العقل فى فهم النص مع احترام قدسية النص والتعامل معه بأدواته من خلال التسلح بما يجب التسلح به من العلم، وجنوح بعض أنصار هذا التيار إلى أقصى الطرف الآخر فى تطرف مضاد يتنكر للثوابت بما لا يقل خطورة عن تطرف المتشددين، فلكل فعل رد فعل مساوٍ له فى النسبة، ومعاكس له فى الاتجاه، والتطرف يولد التطرف المضاد. ومع ذلك يبقى للحق قوة، ولصاحبه عون ومدد.

ودعمًا للباحثين الجادين فى قضايا التجديد قررنا تدشين مجلة «الاجتهاد» لتكون صوت العلماء المجتهدين والمجددين، ولا سيما الشباب منهم، عملا على قراءة واقعنا المعاصر قراءة دقيقة، ومعالجة قضاياه ومستجداته، من خلال إعمال العقل فى فهم النص فى ضوء متطلبات الواقع مع الحفاظ على ثوابت الشرع الشريف.

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى