خدمة الدين شرف عظيم ، وهي مهمة الأنبياء والرسل ، والعلماء العاملين ، والمؤمنين المخلصين ، يقول الحق سبحانه : ” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ” ، فالدعوة هنا إلى الله ولله ، لا إلى طائفة أو إلى جماعة أو إلى جمعية أو حزب ، فالدين لله عز وجل والدعوة لا تكون إلا له وإليه ، والمساجد لله عز وجل ، فلا ينبغي أن نخرج بها عن مهمتها إلى الاستخدام النفعي أو الدنيوي العاجل ، أو تحقيق المصالح الخاصة ، يقول رب العزة : ” وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ” ، فإخراج المساجد عن كونها لله عز وجل وإليه ، وإلباسها ثوبا غير ثوبها ، وشغلها بما يؤشر إلى انتماء معين أو جهة معينة أو جماعة معينة أو فكر معين هو خروج بها عما شرعت له .
وينبغي في العمل الديني الشرعي إخلاص النية إخلاصًا كاملا لله عز وجل لا يداخله غرض آخر ، يقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرى ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” من عمل عملا أشرك فيه غير الله فليطلب أجره من غير الله ، فإن الله عز وجل أغنى الشركاء عن الشرك ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” لا يقولن أحدكم هذا لله وللرحم فهو للرحم ليس لله عز وجل منه شيئ ولا يقولن أحدكم هذا لله ولوجوهكم فإنه لوجوهكم ليس لله عز وجل منه شيئ “ .
وقد ابتلى ديننا الحنيف بأناس يتاجرون به حزبيا ، وطائفيا ، وانتخابيا ، وحتى دعويا ، فهناك من يحاول أن يجند الناس باسم الدين والدعوة إلى الدين لمصالح حزبية أو تحقيق مكاسب انتخابية بذريعة أن هؤلاء هم من سيحمون دين الله عز وجل .
وهناك من يستخدمه طائفيا لتجييش عواطف طائفة ما ضد طائفة أخرى من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية ، وقد ذكرت في أكثر من موقف أننا ليس لدينا أي عقد تجاه أصحاب المذاهب المختلفة طالما أن الأمر لا يعدو حرية اختيار المذهب أو المعتقد ، أما أن توظف بعض الطوائف أتباعها لخدمة أهداف وملفات سياسية فهذا هو الخطر الداهم ، على نحو ما يفعله الإيرانيون في التسلل المذهبي والعمل على نشر التشيع في المجتمعات السنية ، ويبدو الأمر في بداياته على أنه أمر عقدي وقناعات فكرية لا علاقة لها بالسياسة ، ثم سرعان ما تنكشف الحقائق بالأطماع السياسية بما لا يدع مجالا للشك أو التأويل ، وعندما تحدث بعض المقربين من أركان الحكم الإيراني عن السيطرة على أربع عواصم عربية لم نسمع أي استنكار رسمي من إيران أو أتباعها بالدول المذكورة ، وكأن هذا أمر موجه يدفع به كوسيلة لمعرفة مدى قوة رد الفعل العربي السني ، ثم تبني إيران وأتباعها خطواتها التالية على ما يكون من رد الفعل العربي ، لكن رد الفعل العربي هذه المرة كان واضحا وحاسما ومباشرًا ، وجاء فعلا لا قولا في عاصفة الحزم التي خرجت في روح عربية جديدة وشجاعة ومدركة لخطورة هذا التحدي الإيراني البشع ، وللمخططات التي لا يخفى فيها الربط بين الملف النووي الإيراني والنفوذ الإيراني في المنطقة ، وقد لا نستبعد المقايضات السياسية ، فحتى إذا لم تجن إيران مكاسب في ملفها النووي فإنه يمكن لها أن تجني مكاسب فيما يتصل بنفوذها في المنطقة ، ومع أننا ليس من شأننا الاعتداء أو التدخل في شئون الآخرين أو إقحام أنفسنا فيما بين الآخرين ، فإن أمننا الوطني والعربي والقومي خط أحمر ولا مجال للمفاصلة فيه أو السماح بالتدخل في شئونه .
ويجب أن يعلم القاصي والداني أن الأمة العربية بقياداتها الواعية قادرة على تأمين أبنائها من أي غزو سياسي أو فكري ، كما أنها قادرة على حماية أمنها القومي وحماية أرضها وسمائها وترابها ، ومع ذلك فأيدينا جميعًا ممتدة للسلام العادل والتسويات العادلة والاحترام المتبادل بين الناس والشعوب شريطة ألا يكون ذلك شكليا ، وأن تكون هناك قناعات بأن نخلي بين الناس وبين ربهم فيما يختارون ويعتقدون ، ويجب ألا يحاول أي طرف أن يلعب بورقة الدين فهي ورقة محرقة شديدة الإحراق لمن يلعب بها أو يناور .
وإننا نؤكد أن خير مصر يسع جميع أبنائها ، وخير الأمة العربية يسع جميع أبنائها ، وخير المنطقة يسع جميع أبنائها ، وخير الله يسع الإنسانية كلها ، لو كان سبيلُنا التعاون والتكامل والتراحم لا محاولات الإبادة أو الإقصاء أو القهر أو الهيمنة الكاذبة ، وكان طريقنا هو العمل الجاد الدءوب والبناء لا الهدم .