*:*الأخبارمقالات

رسائل من شرم الشيخ

أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

       حمل مؤتمر شرم الشيخ رسائل عديدة , تضمنت خطبتنا بها ثلاث رسائل منها : الأولى : كانت من مسجد السلام ، ومدينة السلام ، وأرض السلام ، وبلد السلام ، ودين السلام , تحمل رسالة سلام للعالم أجمع بأن ديننا هو دين الرحمة والإنسانية ، هو دين العدل والعفو والتسامح ، وأن تلك الأعمال الإرهابية التي ترتكبها تلك الجماعات المحسوبة ظلمًا على الإسلام من قتلٍ وذبحٍ وحرقٍ وتنكيلٍ وتمثيلٍ بالبشر لا صلة ولا علاقة لها بالإسلام ، ولا بأي دينٍ من الأديان ؛ بل هي خروجٌ على كل مقتضيات الدين والأخلاق والقيم والإنسانية .

       أما الرسالة الثانية فمن هناك : من سيناء المباركة ، ذات الوادي المقدس طوى ، من البقعة المباركة ، من الشجرة ، من جانب الطور الذي أقسم به رب العزة في كتابه العزيز ، فقال سبحانه : “وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ *  لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ”.

       من هناك : من جانب الطور  حيث كلّم الله موسى تكليمًا ، وتجلى له في هذه البقعة الطاهرة تجليًا لم يتجلّه لأحد من الخلق ، لا في أي زمان ولا في أي مكان إلا  في هذه البقعة الطيبة .

       من هناك : من أرض السلام ، ومن أرض سيناء الطيبة المباركة انطلق المؤتمر الاقتصادي لنقول للعالم كله : ها نحن نجتمع للبناء لا للهدم، فديننا دين الحياة لا الموت ، دين البناء لا الهدم ، دين التعمير لا التخريب ، والاستثمار أحد أهم منطلقات البناء والتنمية .

      فالاستثمار الحقيقي الصادق الذي يأتي وفق خريطة عادلة للاستثمار العالمي يسهم في تحقيق العدالة الإنسانية ، ويسهم في تحقيق السلام العالمي ، ويَحُد من الهجرة غير الشرعية وغير القانونية من الدول الفقيرة والنامية إلى الدول الغنية والمتقدمة ، وكما قالوا: السلام والاستثمار وجهان لعملة واحدة ، فحيث وجد الاستثمار كان العمل والإنتاج ، وكان الأمن والأمان ، فديننا دين العمل والإنتاج ، والإتقان ، وهذه رسالتنا لأبناء الأمة جميعًا، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ “، و يقول (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ أَمْسَى كَالًّا – أي متعبًا – مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ أَمْسَى مَغْفُورًا لَهُ “.

       أما الرسالة الثالثة ، من هناك أيضا : من أرض سيناء بلد السلام ، حيث أغصانُ الزيتون ، وحيث يقول الحق سبحانه:{ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} ، قال نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ” كلوا من زيتها وادهنوا به ، فإنه دواء وغذاء ” بما يترتب على ذلك من زراعة وصناعة وتجارة ، ففي الوقت الذي نحمل فيه أغصان الزيتون رمز السلام نؤكد أن مصير الجماعات الإرهابية الظالمة الباغية الطاغية وأن نهايتها بإذن الله ستكون هنا على أعتاب سيناء ، وعلى حصون قواتنا المسلحة المصرية الباسلة بإذن الله تعالى ، ذلك أن الجيش المصري لم يدخل عبر تاريخنا الممتد معركة واحدة فاصلة في تاريخ الأمة وخسرها أبدًا ؛ لأنه لم يكن يومًا ما ظالمًا ، ولا باغيًا ، ولا طاغيًا ، ولا معتديًا ؛ بل إنه لم يكد يدخل معركة إلا مفروضة عليه دفاعًا عن الأمة كلها ، فهو الذي ردّ همجية التتار  وهجمات الصليبيين ، وكسر شوكة الجيش الصهيوني الذي كان يقال : إنه لا يقهر ولا يكسر في العاشر من رمضان ، السادس من أكتوبر 1973م ، بإيمانه بالله ، وعدالة قضيته ، والتفاف الأمة العربية كلها حول قواتنا المسلحة ، وها هي تعود إلى هذه اللُّحمة من جديد استشعارًا للتحديات التي تواجه الأمة جميعًا ، وتتهدد وجودها وتماسكها ، وتريد أن تحولها إلى دويلات أو عصابات وفوضى لا نهاية لها ، لكن هيهات هيهات ، فإن الله – تعالى – ناصر الحق والعدل , وسيرد كيد الباغين والمتآمرين والإرهابيين في نحورهم .

        وأنا على يقين في الله من أن العدّ التنازلي لنهاية الجماعات الإرهابية قد بدأ لسببين : الأول – كما قلت- : أن الجيش المصري دخل المواجهة دفاعًا عن وطنه وعرضه وأمته ، وعن أمن وسلام العالم كله, وهو بإذن الله تعالى منتصر .

         الأمر الآخر: أن هذه الجماعات بلغت الحدّ الذي لا يطاق في الظلم والعتو ، ومخالفة السنن الإلهية والكونية والإنسانية ، وهو ما يؤذن بنهايتها ، لأن الله (عز وجل) يمهل ولا يهمل ، وهو لا يحب الفساد ولا المفسدين .

         ونؤكد أيضًا : أننا جميعًا ، وأن الشعب المصري إلى جانب قواته المسلحة الباسلة على أتم استعداد للشهادة في سبيل دينه ووطنه وأمته ، وتخليص العالم كله من شر هذه الجماعات الضالة المارقة ، فمصر ذات يدين : يدٌ تبني وتُعَمر ، ويدٌ تحمي وتُدافع ، لا تخشى في الحق لومة لائم .

         أما الرسالة الرابعة : فهي أن مصر قد استعادت مكانتها عربيًا , وإسلاميًا , وإفريقيًا, ودوليًّا , وشهد لها العالم كله بذلك , بفضل الله عز وجل , ثم بفضل القيادة الحكيمة للسيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي الذي أدار المشهد السياسي بحكمة كبيرة واقتدار سياسي كبير , وكان مشهد القيادات السياسية ورؤساء الدولة وحديثهم عن مصر على منصة المؤتمر خير شاهد على ذلك , بل هو شهادة ميلاد جديدة وفريدة لوضع مصر على خريطة العالم , وتجلت الحكمة السياسية في مواضع عديدة ، منها: هي أن المؤتمر لم يقدم رؤساء الدول المانحة أو الغنية فقط إنما حمل ثراء سياسيًّا واسعًا وواعيًا حين قدم رؤساء وزعماء بعض الدول الإفريقية , حيث أمننا القومي والمائي والأبعاد الاستراتيجية لدورنا الإفريقي الذي كنا نحلم جميعًا أن نستعيده , غير أن أكثر الناس تفاؤلاً لم يكن يتوقع تلك العودة السلسة وبهذه السرعة , لكنه فضل الله عز وجل يؤتيه من يشاء ويجريه على يد من يشاء ، متى شاء وكيف شاء وحيث شاء .

          أما الرسالة الخامسة : فهي أن الله عز وجل قد منّ علينا بهذا الفضل , فلنشكر هذه النعمة بالعمل والإنتاج والجد والدأب , لأن العالم لا يساعد إلا من يملك العزيمة والإرادة لمساعدة نفسه , فلتبن مصر بسواعد أبنائها ورجالها ونسائها وشبابها , رجاء أن نحقق ما نسعى إليه جميعًا من التقدم والنمو , وتبوء مصر المكانة التي تستحقها في مصاف الدول الرائدة والمتقدمة .

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى