*:*الأخبارأخبار الأوقاف2
وزير الأوقاف : الإعلامي البارع هو الذي تؤهله ملكاته للجمع بين السبق والمصداقية معًا وأُحيي كل إعلامي أو صحفي يتخذ من المصداقية خطا ثابتا
وزير الأوقاف :
الإعلامي البارع هو الذي تؤهله ملكاته للجمع بين السبق والمصداقية معًا
وأُحيي كل إعلامي أو صحفي يتخذ من المصداقية خطا ثابتا
***************************
أكتب في هذا الموضوع بصفتي ناقدًا أديبًا لطالما درّس لطلابه في مرحلة الدراسات العليا أصول النقد الأدبي والعلمي والصحفي والمسرحي ، ونقد المقالة والرواية والقصة والأقصوصة .
والمجال الإعلامي الذي أعنيه هنا هو المجال الأوسع الذي يشمل العمل الإعلامي بصوره المختلفة : مرئيًا ، ومسموعًا ، ومقروءًا ، واقعيًّا كان أم إلكترونيًا .
ولا شك أن العمل الإعلامي يُقيَّم من خلال معايير مهنية متعددة من حيث الشكل ومن حيث المضمون : لغة ، وتصويرًا ، وإخراجًا فنيًا ، وأداء صوتيًا، وتعبيرًا جسديًا ، ناهيك عن فنون التحليل إلى غير ذلك من عناصر التقييم والعناصر المصاحبة لكلفن من فنون الإعلام على حدة ، غير أنني اخترت عنصرين من القواسم المشتركة في العمل الإعلامي بصفة عامة هما :السبق والمصداقية ، فإذا كان السبق يتعلق بعنصر الزمن فإن المصداقية تتعلق بعنصر التحقق والتثبت ، والإعلامي القدير هو الذي تؤهله ملكاته وعلاقاته ومصداقيته مع نفسه ومع مصادره ومع المجتمع من أن يجمع بين العنصرين بكفاءة ومهارة دون أن يأتي أحدهما على حساب الآخر ، غير أن ذلك الأمر ليس بالأمر السهل الهين ، ولا يكاد يتأتى إلا لكبار الإعلاميين المحترفين الجادين الذين يتعبون على عملهم ويسهرون عليه وينقطعون له ، ويتفانون فيه بحب وصدق ومهنية وإخلاص .
وقد حدثني أحد كبار الصحفيين من الجيل الحالي بأنه نشأ في مدرسة تسعى للسبق غير أنها لا يمكن أن يأتي سبقها على حساب المصداقية أبدًا ، حتى قال نقلاً عن أحد أساتذته من عمالقة جيل الصحفيين الكبار أنه قال لهم وهم في مستهل عملهم الإعلامي : لأن يفوتك مائة خبر خير من أن تَسبِقَ بخبر لا أصل له ينال من مهنيتك ومصداقيتك ، ويكف سلبًا أن يقال : إن فلانًا لا يعول على أخباره ، وإيجابًا أن يقال إن فلان يُعَضّ على أخباره بالنواجذ، إن قال صدق ، وإن فعل أصاب ، فهو لا يخمن ، إنما له مصادره الدقيقة ورويته ونظرته الثاقبة ، حتى لو كانت تحليلاته مجرد استنتاج فهي قراءة واعية للأمور والأحداث ، فهو صاحب مصداقية وصاحب رؤية معًا .
وقد حثنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) على تحري الصدق فقال : “وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا” ، وإذا كان التاجر الأمين الذي يتحرى الحلال مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين لصدقه وأمانته وتحريه الحلال ، وليس ذلك بالأمر السهل ولا الهين ولا اليسير لأنه يقاوم نفسه وحب المال مقاومة جادة يؤثر الآخرة على الأولى والباقية على الفانية ، وهو أوثق بما عند الله (عز وجل) منه بما في يده ، فإن مفهوم الموافقة الأصولية يجعلنا نستنتج أن كل من يصدق ويتحرى الصدق هو أيضًا مع الصديقين لما في تحري الصدق من ضبط كبير للنفس ، وإذا كان الأمر يتعلق بالعمل الإعلامي فإن تحري الصدق يحتاج إلى جهد كبير وجبار ، ليحقق الإعلامي الصدق والسبق معًا ، مما يجعل جزاء صدقه وتحريه ، وخدمته لدينه ووطنه عظيمًا عند الله (عز وجل) ومشكورًا عند الناس .
إن الكلمة أمانة عظيمة ومسئولية كبيرة ، فالكلمة الطيبة الصادقة ” كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ” ، أما الكلمة غير المسئولة فهي كلمة خطيرة ، قد تكون مهلكة لصاحبها، وقد يتجاوز أثرها السلبي حدود قائلها إلى آفاق أوسع ، فتصبح ذات أثر بالغ على المجتمع أو الوطن بأسره، مما يتطلب من المتحدث – ولا سيما في قضايا الشأن العام – غاية الدقة والتخصص ، والتثبت والتحري ، فالتسرع أمر خطير ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع” ، أي دون أن يتحقق أو يتثبت من صحته .
وإذا كان الإنسان حرًا في التعبير عن رأيه ، فإن هذه الحرية يجب أن تكون حرية مسئولة وليست مطلقة ، حيث تقف حرية كل إنسان عند حدود حرية الآخرين، وقد قالوا : “أنت حر ما لم تضر” ، والقاعدة الشرعية والقانونية والوطنية والإنسانية معًا أنه ” لا ضَررَ ولا ضِرارَ”.
وختاما أؤكد أن الإعلامي البارع هو الذي تؤهله ملكاته للجمع بين السبق والمصداقية معا ، وأُحيي كل إعلامي أو صحفي يتخذ من المصداقية خطا ثابتا.
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
وأستاذ الأدب والنقد