وزير الأوقاف في حديث خاص عن “ليلة القدر” وكيفية استثمارها: من عرف قدر هذه الليلة لم يضيِّعها ولم يفوت الفرصة أبدًا وإحياؤها لا يقتصر على الصلاة وقراءة القرآن فحسب بل يشمل كل خير وربما فاقت الصدقة في ليلة القدر كل شيء
وزير الأوقاف في حديث خاص عن “ليلة القدر” وكيفية استثمارها:
من عرف قدر هذه الليلة لم يضيِّعها ولم يفوت الفرصة أبدًا
وإحياؤها لا يقتصر على الصلاة وقراءة القرآن فحسب بل يشمل كل خير
وربما فاقت الصدقة في ليلة القدر كل شيء
في إطار نشر الفكر الوسطي المستنير ، وإعادة قراءة النص في ضوء متطلبات وقضايا عصرنا الحاضر ، وإسهامًا في بناء الوعي الرشيد ، أكد أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في حديث خاص عن ليلة القدر أن الله (عز وجلَّ) فضل بعض النبيين على بعض ، فقال (سبحانه وتعالى): “تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ” ، ويقول (سبحانه وتعالى): “وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا” ، وفضلَّ (سبحانه وتعالى) بعض الشهور على بعض فقال (سبحانه وتعالى): “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ” ، وفضل الشهر الكريم ، شهر رمضان المبارك على سائر الشهور ، فقال (سبحانه وتعالى): “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ” ، وفضل يوم الجمعة على سائر الأيام ، وفضل ليلة القدر على سائر الليالي واختصها بسورة كريمة في كتابه العزيز ؛ حيث يقول (سبحانه وتعالى): “إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ” أي: أنزل القرآن الكريم ، وقال الله (سبحانه وتعالى): “سَلَامٌ هِيَ” ، ولم يقل: “هِيَ سَلَامٌ” أي: سلام على كل من قامها ، سلام على كل من أحياها ، التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يهيئ نفسه في هذه العشر ؛ فكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وأَحْيَا لَيْلَهُ ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ ، معنى دخل العشرُ ، أي: العشر الأواخر من رمضان ومعنى الحديث: اجتهد غاية الاجتهاد في هذه الليالي التماسًا لبركتها ولبركة ليلة القدر ، وإذا كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) قد قال: “رَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ” ، فما بالكم بمن أدرك هذه الليالي المباركة ، ولم يلتمس ليلة القدر ، ولم يترقب ليلة القدر ، ولم ينتظر ليلة هي خير من ألف شهر يحييها بالذكر والتسبيح وقراءة القرآن.
مؤكدًا أن من أهم ما في هذه الليالي قيام الليل ، صلاةً أو ذكرًا أو تسبيحًا أو دعاءً أو قراءة قرآن أو بالتهجد ، لأن من أهم خصوصيات هذه الليلة قول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا ، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ” ، إنها لليلة مباركة حيث يقول (سبحانه وتعالى): “إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ” أي: أنزلنا القرآن الكريم “فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ” هي: ليلة القدر ، وكانت السيدة عائشة (رضي الله عنها) تقول: “يا نَبيَّ اللهِ ، أرأيتَ إنْ وافَقتُ لَيلةَ القَدرِ ما أقولُ؟ قال: تَقولينَ: اللَّهمَّ إنَّكَ عَفوٌّ كريمٌ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنِّي ، اللَّهمَّ إنَّكَ عَفوٌّ كريمٌ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنَّا ، اللَّهمَّ إنَّكَ عَفوٌّ كريمٌ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنَّا”، وإحياؤها يكون بالقيام ، قيام الليل عز المؤمن وشرف المؤمن ، قيام الليل بصفة عامة فما بالكم بقيامه في رمضان ، وما بالكم بقيام ليلة القدر، يقول الحق (سبحانه وتعالى): ” أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ” ، فمن عرف قدر هذه الليالي ، وقدر هذه الليلة لم يضيِّعها ، ولم يفوت الفرصة أبدًا ، ويقول (سبحانه وتعالى): “إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ” ، مع القيام لا ننسى الفقراء ، ولا ننسى المحتاجين ، ولا ننسى المساكين في هذه الأيام ؛ فالصدقة في ليلة القدر ربما فاقت كل شيء لأن فيها صلة وتكافلًا وتراحمًا وطيب نفسٍ وسخاء نفسٍ بالمال ، فالأمر في ليلة القدر لا يقتصر على الصلاة فحسب ، ولا على قراءة القرآن فحسب ، إنما على التراحم والتواصل والذكر والتسبيح والصدقة ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “ما آمَن بي مَن بات شبعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلَمُ به” ، في هذه الليلة تفقد أحوال جيرانك ، وأحوال من حولك ، وأطعم الطعام ، وأفش السلام ، وصلِّ بالليل والناس نيام تدخل الجنة بسلام ، كما علمنا النبي العدنان (صلى الله عليه وسلم) حين قال: ” أيُّها الناسُ أفْشوا السَّلامَ ، وأَطعِموا الطَّعامَ ، وصَلوا باللَّيلِ والناسُ نيامٌ ، تَدْخُلوا الجَنَّةَ بسَلامٍ” ، ويقول الحق (سبحانه وتعالى) في وصف القائمين بصفة عامة: “تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ” فما بالكم بالقائمين في ليلة القدر ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “أَفْضَلُ الصِّيامِ ، بَعْدَ رَمَضانَ ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ ، صَلاةُ اللَّيْلِ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِن أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ” ، فإذا كان ذلك في كل ليلة فما بالكم بليالي الشهر الفضيل ، وما بالكم بالسحر في ليلة القدر ، وما بالكم بالاجتهاد في الدعاء في ليلة القدر ، فعن أبي أمامة الباهلي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “عليكم بقيامِ الليلِ فإنه دَأْبُ الصالحينَ قبلَكم ، وقُرْبَةٌ إلى اللهِ تعالى ، ومَنْهاةٌ عن الإثمِ ، وتكفيرٌ للسيئاتِ ، ومَطْرَدَةٌ للداءِ عن الجسدِ” ، وعن سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عن أبيه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللَّهِ ، لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ” ، قال سالم: فَكانَ بَعْدُ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلًا ، وسُئِل الحسن البصري: “ما بال المتهجدين باللّيل من أحسن النّاس وجوهاً؟ قال: لأنّهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره” ، ألم يقل الحق (سبحانه وتعالى): “سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ” ، أي: سيماهم نور يلقيه الله على وجه المؤمن ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ ، وهو ساجِدٌ ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ” ، وأيضًا في ليلة القدر – من أفضل الليالي التي يستجاب فيها الدعاء – فلتكثِر من الدعاء.
محذرًا من أن يشغل الإنسان نفسه في هذه الليلة المباركة بالدعاء على أحد ، أو في الانتقام من أحد ، أو في الإساءة إلى أحد ، فكما تضاعف الحسنات تضاعف السيئات لمن تجاوز في هذه الليالي المباركة ، اجعل قلبك عامرًا بالإيمان للناس جميعًا ، “لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ، ويَكرَهُ لأَخِيهِ مَا يَكرَهُ لِنَفسِه” ، يقول النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): “ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ : أنْ يكونَ اللهُ و رسولُهُ أحبُّ إليه مِمَّا سِواهُما ، و أنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ ، و أنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ ، كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ” ، عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ، إن كنت تحب أن يدعو لك الآخرون بظهر الغيب ، فادع في هذه الليلة المباركة ، وفي هذه الليالي المباركة ، وفي الليالي العشر الأواخر من رمضان لأخيك بظهر الغيب ، يقول النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): “مَن دَعَا لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ ، وَلَكَ بمِثْلٍ” ، إذًا في هذه الليلة الطيبة المباركة وفي الليالي العشر التي علمنا نبيُّنا (صلى الله عليه وسلم) أن نلتمس ونتحرى ونترقب ونستعد فيها لليلة القدر علينا فيها بكثرة الطاعات ، بقيام الليل ، بقراءة القرآن ، بالذكر ، بالتسبيح ، بإطعام الطعام ، بصلة الأرحام ، بكثرة الاستغفار ، نسأل الله (عز وجلَّ) أن يجعلنا في هذه الليلة المباركة ، وفي هذه الليالي المباركة ، وفي هذه الأيام المباركة من المقبولين.