لاشك أن الدعوة إلى الثورة الدينية التي أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية , والتي أكد أنها للدين وليست ضد الدين قد لاقت استجابة واسعة داخليًا وخارجيًا , وألقت بظلالها على مجالات متعددة .. فكرية وثقافية وإعلامية وتعليمية .
ففي داخل مصر انطلقت استجابات , ومؤتمرات , وندوات , وصالونات ثقافية متعددة , تدرس مفهوم الثورة الدينية , ومفهوم التجديد الذي دعا إليه السيد الرئيس في أحاديث متعددة , مما يؤكد إحساسه بعمق الأزمة , وأننا في حاجة ملحة وحقيقية إلى التجديد في الفهم والرؤية , وليس في الشكل والقشور .
كما ألقت الدعوة بظلالها الوارفة , وآتت أكلها لدى المنتديات الفكرية والثقافية والعلمية والسياسية العالمية .
ففي اللقاء الذي جمعني أمس الخميس 12 / 3 / 2015م بمستشاري وزير الخارجية والداخلية الفرنسيين في وجود سعادة السفير / خالد عمران مساعد وزير الخارجية المصري للشئون الثقافية والدينية , سألني مستشار وزير الخارجية الفرنسي عن مفهوم الثورة الدينية التي دعا إليها السيد الرئيس , وعن إمكانية تطبيقها على أرض الواقع , فأجبته في ابتسامة وهدوء : بأن هذه الدعوة التي أطلقها السيد الرئيس أصابت موضعها ووافقت زمانها وأهلها , فتلقيناها على الفور بالقبول والترحاب , وعن قناعة تامة , لأنها وافقت ما كان بالنفس كامنًا , وأعطت إشارة البدء والحركة الدءوب لمشروع فكري عملاق بدأت بعض تطبيقاته الحقيقية في المؤتمر الدولي الرابع والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية , الذي انتهى في بحوثه وتوصياته إلى توضيح بعض المصطلحات وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة , وذكرت لهم بعضًا منها , فكان من أكثر ما شد انتباههم وأدهشهم لواقعيته , هو ما أكد عليه المؤتمر من أن استحلال ذبح البشر وحرقهم والتمثيل بهم يعد خروجًا على الإسلام بل على مقتضيات كل الأديان السماوية والقيم الإنسانية , وأن هذه الجماعات إنما هي صنيعة أجندات سياسية تتستر بغطاء الدين زورًا وبهتانًا والدين منها براء , وأن الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف يعملان بقوة على تعرية تلك الجماعات الإرهابية , ورفع أي غطاء أدبي أو شرعي عنها وعن تصرفاتها الهمجية التي تعود بالإنسانية إلى عصور الانحطاط وما قبل التاريخ , وأننا نؤكد بشدة على ضرورة عدم توظيف الدين سياسيًا , وأن تكون دور العبادة لعبادة الله (عز وجل) وترسيخ القيم الأخلاقية والإنسانية , وترسيخ فقه العيش المشترك بين البشر جميعًا على أساس المواطنة الكاملة والحقوق المتبادلة , واحترام آدمية الإنسان بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو عرقه أو معتقده .
كما شرحت لهم نظرة الإسلام إلى نظام الحكم , وأن الإسلام لم يضع قالبًا جامدًا له , وأن جميع الأحاديث التي سئل فيها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن مفهوم الإسلام لم يذكر في واحد منها شيئًا عن نظام الحكم , لأن الإسلام ترك ذلك مجالا رحبًا في ضوء ما يحقق العدل , ويمنع الفساد , ويتيح حرية العبادة والمعتقد , ويعمل على تحقيق مصالح الناس , ويؤمن حاجاتهم الأساسية والضرورية , ويعمل على نهضة الأمم ورقيها وتحقيق الأمن والسلام العالمي .
وما أن انتهينا من حديثنا حتى حيّا الرجلان هذه الجهود المبذولة , وأكدا أننا أمام مشروع فكري ضخم عملاق , وأنهم فهموا الآن مغزى الثورة الدينية وتجديد الخطاب الديني الذي يدعو إليه السيد الرئيس , وأكدا أن هذه المشروع يحتاج إلى فريق عمل كبير وأنه سيقدم خدمة عظيمة للإنسانية , وأنهم يدعمون هذه الجهود , ويسعون للإفادة منها , وأنهم شرعوا في فرنسا قانونًا جديدًا يتيح لوزير الداخلية الفرنسي سحب جواز سفر من يثبت تخطيطه للانضمام إلى داعش أو الجماعات الإرهابية , وأنهم يتفهمون جيدًا ما أشرنا إليه من أن الإرهاب لا دين له ولا وطن له , وأنه يأكل من يدعمه أو يأويه أو يتستر عليه , وأن الإرهابين المنضمين إلى داعش أو القاعدة أو أعداء بيت المقدس , عندما يضيق الخناق على هذه الجماعات وقد بدأ يضيق بالفعل سيرتدون بلا شك على الدول التي قدموا منها , وسيشكلون خطرًا داهمًا على أمنها واستقرارها , ما لم نستبق مجتمعين ذلك وبسرعة شديدة لمحاصرة هذه الجماعات الإرهابية والقضاء عليها .
وفي هذا الصدد وفي ضوء حرب المعلومات أكد مستشار وزير الخارجية الفرنسي لشئون الأديان أنهم يعدون مشروعًا سيتقدمون به لمجلس الأمن الدولي , لحظر استخدام مواقع التواصل في التحريض على العنف والإرهاب , وأنهم يدعمون جهود مصر في مواجهة الإرهاب سواء على مستوى التعامل الثنائي بين البلدين أم في المنتديات الدولية .
ولم يكن هذا الموقف الفرنسي هو الموقف الدولي الوحيد تجاه دعوة السيد الرئيس إلى الثورة الدينية , إنما هناك مواقف أخرى عديدة ربما نتناولها أو نتناول بعضها في مقالات أخرى .