ذكرت في عدة مقالات سابقة أن مصر غنية برجالها ونسائها وشبابها ، وعلمائها ومفكريها ، وثرواتها الطبيعية ، وأننا في حاجة إلى مسح علمي شامل لخريطة مصر الاستثمارية : تعدينياً ، وزراعياً ، وسياحياً ، فما زالت الثروات الضخمة لم تستغل بعد ، أو لم تستغل الاستغلال الأمثل على أقل تقدير .
وفى عدة زيارات لأسوان ، والوادي الجديد ، والبحر الأحمر ، وسيناء ، تأكد لي أن بلدنا مازال عامراً بالخيرات ، ففي أسوان من المعالم السياحية ما يؤهلها لأن تكون في مقدمة المدن العالمية ، لو طورنا من بنيتها التحتية ، وأعدنا النظر في الإفادة القصوى من هذه المعالم وتوظيفها توظيفاً متميزاً كمعالم حضارية وثقافية ، و استعنا في ذلك بمرشدين سياحيين متخصصين ، ومثقفين لديهم من الحس الوطني الكافي ما يجعل المصلحة العليا للوطن فوق أي اعتبار آخر .
وفى سيناء أرى أننا في حاجة إلى تنمية بشرية ، وتهيئة المناخ المناسب للجذب السكاني ، بحيث نزرع سيناء ونعمرها بالبشر ، مع تسليط الضوء على ما بها من مقومات سياحية ، بعضها علاجي ، وبعضها طبيعي وبعضها ثقافي ، كما أنها لم تكتشف بعد تعدينياً ، مع ضرورة وضع خريطة واضحة للمناطق القابلة للزراعة والاستصلاح بها .
وفى الوادي الجديد بمساحته المترامية الأطراف ، وامتداده الطبيعي في الواحات البحرية بمحافظة الجيزة ما يسمح بإقامة دولة كبرى ، لا مجرد مجتمعات إنتاجية أو عمرانية ، وفى البحر الأحمر تجرى دراسة هامة حول ما يعرف بالمثلث الذهبي ( القُصِير ـ سفاجا ـ قفط ) لاستغلال ما فيه من ثروات تعدينية تهيئ لنهضة كبرى في مجال التعدين مع أراض خصبة قابلة للزراعة .
ولا ينبغي أن ننسى أن مدينة الغردقة تصنف كأجمل مدينة شاطئية في العالم ، إضافة إلى محور قناة السويس الذي تعمل الدولة بجدية على تنميته تنمية شاملة ، بل إنك لو نقبت في الكثير من محافظات مصر ، وفى الظهير الصحراوي لتأكد لك أننا لم نعط هذا البلد ما يجب أن نقوم به ، فهو مؤهل لأن ينطلق بنا لتحقيق نهضة اقتصادية كبرى .
وكان كل ذلك أملاً يراه البعض قابلاً للتحقيق ، ويراه آخرون حلماً بعيد المنال، غير أنني كنت على يقين كآخرين أننا نستطيع ، وكان الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية وقرار وطني مستقل ، لا يراعى سوى مصلحة الوطن ، دون أي تدخلات أو إملاءات شرقية أو غربية .
كنا في حاجة إلى قرار وطني يستشرف آفاق المستقبل ، ولديه الرؤية والإرادة والعزيمة والتصميم على بناء الوطن ، ينطلق من المصالح الوطنية ، ويعمل على إعلائها فوق أي اعتبار آخر ، وكما ينطلق من مبادئ ديننا الحنيف التي تقدس العمل وتدعو إلى الإتقان ، حيث يقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم) : ” إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ، ويقول ( صلى الله عليه وسلم ) : ” من أمس كالاً من عمل يده أمس مغفوراً له ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه أو (يحكمه) ” .
ولقد طالعت ما نشر في صدر الصفحة الأولى بصحيفة الجمهورية الصادرة في يوم الأربعاء 11 / 3 / 2015 م تحت عنوان : ” المثلث الذهبي أضخم مشروع قومي لتنمية الصعيد ” فتأكد لي أن مصر في ظل قيادتها الوطنية الحكيمة المخلصة قد أخذت تستعيد ريادتها العربية والإسلامية والإفريقية ومكانتها الدولية ، وكذلك قرارها الوطني المستقل ، و أن الأمل في نهضة اقتصادية تتبعها وتنبثق منها، وتتوازى معها نهضات أخرى علمية وفكرية واجتماعية وثقافية قد أخذت بوادره تلوح في الأفق ، غير أن ذلك كي يتم ويتحول إلى واقع ملموس يحتاج إلى عزيمة وإرادة شعبية تتناسب وتلك الإرادة السياسية القوية ، كما يتطلب منا جميعاً وقفة رجل واحد في وجه الإرهاب والإرهابيين والتخريب والتدمير والمخربين ويقول الشاعر :
ولو ألف بانٍ خلفهم هادمُ كفى فكيف ببانٍ خلفه ألفُ هادمٍ
ويقول الآخر : ـ
متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ
وعلى كل واحد منا أن يبدأ بنفسه ، وألا ينتظر غيره ، فهكذا علمنا ديننا ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساءوا أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم” .
وكان أصحاب نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) يُقِْدمُون عند الفزع ويُحْجِمُونَ عند الطمع ، ويقول شاعرنا العربي عنترة بن شداد :
يخبرك من شهد الوقائــع أننـي أغشى الوَغَى وأعف عند المغنم
وأرى مغانم لو أشــاء حويتهـــا ويصدني عنهــا الحيـــا و تكرمــي