لاشك أن أي مؤتمر دولي أو عالمي بغض النظر عن مستوى نجاحه وتحقيقه لأهدافه أو عدم تحقيقه لها أو لبعضها لا يمكن أن ينشأ في الهواء الطلق أو يولد هكذا عفويًا دون إعداد أو عمل دءوب , وإنما هو حلقة في اتجاه علمي أو فكري أو ثقافي أو تطبيقي تسبقه جهود ومراحل وتتبعه أخرى .
ومؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي عقد مؤخرًا في القاهرة تحت عنوان : ” عظمة الإسلام وأخطاء بعض المنتسبين إليه : طريق التصحيح ” يُعد حلقة هامة من حلقات تجديد الخطاب الديني سبقتها جهود أخرى سواء بمؤتمرنا السابق”خطورة التكفير والفتوى بدون علم على المصالح الوطنية والعلاقات الدولية ” , أم بما عقده المجلس من صالونات فكرية وعلمية حول قضايا شائكة : كنظام الحكم والمتاجرة بقضية الخلافة , أو تنقية التراث من الشوائب التي علقت به ، وإعادة قراءته في ضوء متطلبات العصر ومستجداته مع الحفاظ على ثوابتنا الشرعية , أم فيما صدر عن المجلس من إصدارات ومطبوعات ، وما تبناه من أنشطة ومسابقات , ومحاضرات وندوات , وتثقيف وتدريب .
غير أن الأهم هو ماذا بعد المؤتمر ؟ وماذا عن تفعيل التوصيات الهامة التي صدرت عنه ؟ وما مدى قابليتها للتطبيق ؟
وفي هذا نؤكد أننا سننظم عددًا من الصالونات الثقافية لشرح هذه التوصيات وتأصيلها تأصيلا علميًا وفقهيًا وشرعيًا , مع طباعة كتيب يتضمن هذا الشرح لاثنين من كبار الأساتذة المتخصصين بجامعة الأزهر الشريف , وهو ما سيكون تحت يد المجلس في غضون أسبوعين أو ثلاثة بإذن الله تعالى .
وقد تم تشكيل لجنة دولية لمتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر , والقيام بمهمة التنسيق والترتيب لإقامة المؤتمرات في الدول العربية والإسلامية بما يعمل على تكاملها موضوعيًا وتنسيقها زمنيًا , ويمنع التضارب في أزمنة انعقادها والتكرار في موضوعاتها , وإنني لأؤكد على الآتي :
1- استمرار التنسيق بين الوزارات المعنية بالثقافة والتربية ، بحيث تعمل وزارات الأوقاف ، والتربية والتعليم ، والتعليم العالي ، والثقافة ، والشباب والرياضة ، كفريق عمل متكامل من خلال التنسيق الكامل والمستمر مع مشيخة الأزهر الشريف بقيادة إمامه الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر ، على أن يقوم الإعلام بدوره في تأصيل القيم ، وتغطية أعمال هذه الوزارات بما يؤدي إلى نشر سماحة الإسلام ومواجهة كل ألوان التشدد والتطرف والغلو .
2- ضرورة إعادة النظر في المناهج الدراسية والعمل على تنقيتها وتطويرها على أيدي العلماء المتخصصين بما يتناسب مع النهضة العلمية العصرية العالمية من جهة , وبما يعمل على تنقيتها من الشوائب التي شابت بعضها, مع إعادة قراءتها قراءة جديدة بما يناسب عصرنا وزماننا ومكاننا من جهة أخرى , فلا شك أن بعض الأراء العلمية والفقهية قد جاءت في وقت ناسبت فيه زمانها ومكانها وبيئتها ، وأصبحت المستجدات والظروف العصرية تقتضي اجتهادًا جديدًا يراعي هذه المتغيرات ، فباب الاجتهاد لم ولن يُغلق , وإن الله (عز وجل) لم يخص بالعلم ولا بالفقه قومًا دون قوم ولا زمانا دون زمانٍ , وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء , فلا فضل لعالم متقدم لمجرد تقدمه ، ولا رد لمتأخر لمجرد تأخره , إنما العبرة بعطاء كل منهما ومدى قدرته على خدمة دينه ووطنه وأمته , وقدرته على إعمال العقل , وتخطي حلقات الجمود الفكري والعلمي , والانطلاق إلى آفاق أرحب وأوسع من الاجتهاد , فما كان راجحًا بالأمس يمكن أن يصير مرجوحًا اليوم , إذا ما راعينا طبيعة الحال والمقام وتغيير الزمان والمكان .
وفي هذا الصدد نثمّن بشدة قرار السيد المهندس / إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء بشأن تشكيل لجنة لتطوير مناهج التعليم الجامعي وقبل الجامعي , وهي خطوة إيجابية تستحق التقدير , ويمكن البناء عليها كبداية هامة لتطوير كامل وشامل للعملية التعليمية في مصر بما يؤدي إلى التقدم والرقي واللحاق بركب ومصاف الأمم .
ونؤمل من خلال المنتدى العالمي للسماحة والوسطية الذي عُقد اجتماعه التأسيسي الأول منبثقًا عن اجتماع المؤتمر أن نؤدي الدور المرجو منا في مواجهة التطرف والإرهاب وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، الذي صوّب المؤتمر كثيرًا منها في توصياته ، منها :
1- الخلافة : وصف لحالة حكم سياسي متغير يمكن أن يقوم مقامها أي نظام أو مسمى يحقق مصالح البلاد والعباد وفق الأطر القانونية والاتفاقات الدولية .
وما ورد فيها من نصوص يحمل على ضرورة أن يكون هناك نظام له رئيس ومؤسسات حتى لا يعيش الناس في فوضى ، فكل حكم يحقق مصالح البلاد والعباد ويقيم العدل فهو حكم رشيد ، وعليه فلا حق لفرد أو جماعة في تنصيب خليفة أو دعوى إقامة دولة خلافة خارج أطر الديمقراطيات الحديثة .
2- الجزية : اسم لالتزام مالي انتهى موجبه في زماننا هذا وانتفت علته بانتفاء ما شرعت لأجله في زمانها ، لكون المواطنين قد أصبحوا جميعاً سواء في الحقوق والواجبات ، وحلت ضوابط ونظم مالية أخرى محلها، مما أدى إلى زوال العلة .