وزير الأوقاف لطلبة الكلية الجوية : أينما تكون مصالح البلاد والعباد فثم شرع الله ومصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان ولن ننجح في مواجهة التطرف إلا إذا واجهنا التسيب بنفس القدر ودور علماء الدين هو البيان وليس الحساب
وزير الأوقاف لطلبة الكلية الجوية :
أينما تكون مصالح البلاد والعباد فثم شرع الله
ومصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان
ولن ننجح في مواجهة التطرف إلا إذا واجهنا التسيب بنفس القدر
ودور علماء الدين هو البيان وليس الحساب
في إطار اللقاءات التثقيفية التي تنظمها الكلية الجوية لطلابها ألقى معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف محاضرة هامة بالكلية الجوية بعنوان: “مفهوم الجهاد في حب الوطن” ، اليوم الجمعة 25/ 2/ 2022م بمقر الكلية الجوية بقاعدة بلبيس الجوية ، بحضور سيادة اللواء طيار/ علي حسن علي مدير الكلية الجوية ، وأ.د/ عثمان شعلان رئيس جامعة الزقازيق ، وسيادة العميد طيار/ أحمد السيد عامر كبير معلمي الكلية الجوية ، والسادة أعضاء مجلس الكلية الجوية ، وعدد من طلبة الكلية الجوية.
وفي بداية اللقاء أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان ، وأن حفظ الوطن من الكليات الست ، وأن ديننا قائم على عمارة الدنيا بالدين ، وعلى ترسيخ أسس التعايش السلمي بين الناس جميعًا ، فالوطن لكل أبنائه ، وهو بهم جميعًا ، وأنه حيث تكون مصالح البلاد والعباد فثمة شرع الله الحنيف ، فالأديان قائمة على جلب المصالح ودفع المفاسد عن البلاد والعباد ، وأننا نسلك في حياتنا كلها مسلكًا وسطيًّا لا إفراط فيه ولا تفريط ، ما بين حفاظ على الثوابت وفهم لطبيعة المتغيرات ، نواجه كلا النقيضين التطرف والتسيب ، مؤمنين أننا لن نستطيع أن نواجه التشدد ونقتلعه من جذوره دون أن نواجه التسيب أيضًا ونقتلعه من جذوره.
وحول مفهوم الدولة أكد معاليه أن مفهوم الدول قد تطور تطورًا كبيرًا عبر العصور وفق ما اقتضته طبيعة الزمان والمكان وأحوال الناس عبر تاريخهم الإنساني ، وأن من عظمة ديننا الحنيف أنه لم يحدد لبناء الدولة نظامًا ثابتًا أو قالبًا جامدًا ، إنما فتح باب السياسة الشرعية في ذلك واسعًا وفق ما تقتضيه مصالح البلاد والعباد .
وإذا كان المؤرخون وعلماء الاجتماع قديمًا قد حددوا عناصر بناء الدولة بأنها الأرض والشعب والسلطة الحاكمة ، فإن مقتضيات العصر الحديث قد اقتضت أن يضيفوا إلى ذلك الشرعية الدولية ، حتى لا تدعي أي جماعة من الجماعات انفصالية أو متطرفة تسيطر على قطعة من الأرض أنها دولة.
مؤكدًا على ما يأتي:
1. أن مفهوم الدولة مفهوم مرن متطور ، وأن محاولة حصر مفهوم الدولة في أنموذج تاريخي معين وفرضه نمطًا ثابتًا أو قالبًا جامدًا إنما يعني غاية التحجر والجمود والوقوف عكس اتجاه عجلة الزمن ، بما يشكل شللًا لحركة الحياة ، فالتطور سنة الله في كونه.
2. إذا كان العلماء يقررون أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الحال فإن المجال الأرحب لذلك هو مجال السياسة الشرعية في بناء الدول ونظم الإدارة .
3. أن ما أتاحه الشرع الشريف لولي الأمر من التصرف بحكم الولاية في ضوء الحفاظ على الثوابت باب شديد المرونة والسعة ، ينبئ عن عظمة الشرع الشريف ، وحرصه على تحقيق مصالح البلاد والعباد ، فحيث تكون المصلحة الراجحة فثمة شرع الله الحنيف .
4. أن المواطنة مصطلح أصيل في الإسلام ، يتجاوز التنظير الفلسفي إلى سلوك عملي ، وأن المواطنة الحقيقية لا إقصاء معها ، ولا تفريق فيها بين المواطنين ، فالفكر الإسلامي يضمن بثرائه وتجاربه أن نبني حضارات قائمة على مواطنة حقيقية بغض النظر عن العقيدة أو اللون أو العرق .
5. التأكيد على أن الدولة الوطنية هي أساس أمان المجتمعات جميعها ، وأن العمل على تحقيق وترسيخ المواطنة التفاعلية والإيجابية الشاملة واجب الوقت ، وأن بناء الدولة والحفاظ عليها واجب ديني ووطني ، والتصدي لكل محاولات هدمها أو زعزعتها ضرورة دينية ووطنية لتحقيق أمن الناس وأمانهم واستقرار حياتهم .
6. الدولة أولًا ومن خلالها تُقرّ جميع الحقوق ، فدولة المواطنة هي الأساس الذي يبنى عليه السلام المجتمعي والعالمي ، وأي إضعاف للدولة أو المساس بسلامتها واستقرارها هو تهديد للسلم والأمن المجتمعي والعالمي ، وإفساح المجال للجماعات الإرهابية والميلشيات الطائفية لتعيث في الأرض فسادًا.
7. التأكيد على أن أوطاننا أمانة في أعناقنا يجب أن نحافظ عليها – أفرادًا ومؤسسات , وشعوبًا وحكومات – وبكل ما أوتينا من قوة وأدوات وفكر .
كما أكد معاليه على أهمية احترام التخصص وأن إطلاق كلمة عالم على شخص لم يستوف مقومات العلم ولَم يمتلك أدواته شيء خطير ، ربما يصل إلى حد الجناية على العلم أو في حقه ، العالم عالم ، والفقيه فقيه ، والمؤرخ مؤرخ ، والواعظ واعظ ، والنسابة نسابة ، وقد ظهر على مدار تاريخنا الطويل طوائف من الوعاظ ، والوعاظ البكائين ، ومن القصاص ، والحكائين ، والمنشدين ، والقراء ، وقد ميز عصورهم أن ظل العالم عالما ، والفقيه فقيها ، والواعظ واعظا ، والقارئ قارئا ، والكاتب كاتبا ، والمنشد منشدا ، لم يتقمص أحد منهم شخصية غيره ولَم يحاول أن يغتصب دوره ، وعرف الناس قدر هذا وذاك ، وطلب كل منهم من يحب ، فمن أراد العلم لزم مجالس العلماء ، ومن استهواه الوعظ صار خلف الوعاظ ، ومن أطربه الإنشاد ارتاد حلقات المنشدين ، مؤكدًا أن المتحدث في الشأن الديني لابد أن يكون متمكنًا من العلوم الشرعية ، ملمًا بواقع العصر زمانا ومكانا وملما بأحوال الناس وواقع حياتهم وتحديات العصر ومستجداته ، مدركا أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال ، قادرًا على التفرقة بين الثابت المقدس والمتغير غير المقدس ، ملمًا بفقه المقاصد ، وفقه المآل ، وفقه الأولويات ، وفقه الموازنات، وطرائق الاستنباط والقياس ، وغير ذلك مما ينبغي للمتحدث في الشأن الديني الإلمام به ، ثم عليه قبل ذلك كله إخلاص النية لله (عز وجل) ، وعدم اتخاذ العلم وسيلة للمتاجرة بدين الله (عز وجل) وعدم توظيفه لصالح جماعة أو أية مصالح نفعية.
كما أكد معاليه أن الشهادة في سبيل الوطن والدفاع عنه هي أعلى درجات الشهادة ، وقد أجمع العلماء أن العدو إذا دخل بلدًا صار الجهاد ودفع العدو فرض عين على أهل هذا البلد : رجالهم ونسائهم , كبيرهم وصغيرهم , قويهم وضعيفهم , مسلحهم وأعزلهم , كل وفق استطاعته ومكنته , حتى لو فنوا جميعًا ، ولم يقل أحد أنهم لو خافوا على أنفسهم أن يتركوا وطنهم ويذهبوا إلى مكان آخر ، فالدين لا بدله من وطن آمن يحمله ويحميه.