الخيانة هي الخيانة, هي اللؤم والخسة, هي علامة من أبرز علامات المنافق, فجميع الأحاديث التي دارت حول مبنى النفاق ومعناه لم يخل حديث واحد منها من ذكر الخيانة، تأكيدًا على خطورتها ورفض الإسلام لها ،حتى صار قول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : ” لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ ” (السنن الكبرى للبيهقي) ، من الحكم التي تجري مجرى المثل , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ , وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ , وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ” (صحيح البخاري) , ويقول (عليه الصلاة والسلام) : “أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا ، اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ” (صحيح البخاري) , ويقول الحق سبحانه: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ” (الأنفال:27) , لقد كانت الخيانة الوطنية وستظل عارًا يلحق بالخائن في حياته, ويطارده في قبره وفي عالم البرزخ, كما يطارد أبناءه وأحفاده وتاريخه من بعده .
غير أن خيانة الأمس كانت أشد خفية من السرقة, وكان صاحبها أحرص على إخفائها من حرص الزناة على ستر جريمتهم والتحايل في إخفاء معالمها, إذ كانوا يشعرون ويدركون أنه لا عار فوق عار الخيانة الوطنية, وكان ذلك يكاد يكون محصورًا في عالم الجاسوسية والحروب و بعض الصفقات التجارية الكبرى.
غير أن الخيانة الوطنية قد أخذت في عصرنا الحاضر أبعادًا أشد خطورة واتساعًا, فمن متاجرة بغذاء الناس ودوائهم, إلى المتاجرة بحياتهم، فالمتاجرة بدينهم, إلى التبجح بالخيانة والدفاع عنها أحيانا سرًا أو جهرًا , باعتبار أن ذلك من وجهات النظر القابلة للجدل والنقاش.
ومن أشد ألوان الخيانة الوطنية التي لا يمكن السكوت عليها هي ما يقوم به بعض الخونة والعملاء والمأجورين من التطاول على وطنهم والتحريض على قتل بعض أبنائه من أبناء قواتنا المسلحة الباسلة ، ورجال الشرطة الأحرار ، ومحاولة إرهاب القضاة ، والإعلاميين، والأئمة والخطباء ، وترويع الآمنين ، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة ، مما يعد فسادًا وإفسادًا في الأرض ، والله لا يحب الفساد ولا المفسدين , حيث يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام ِ* وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ” ( البقرة : 204 – 205 ).
ومن خلال رصدنا الدقيق للسموم التي تبثها بعض القنوات المأجورة من الخارج على لسان الخونة والعملاء الذين يحملون الجنسية المصرية ممن باعوا أنفسهم للشيطان وأعداء الدين والوطن ، ونظرا لخطورة هؤلاء على الأمن القومي المصري وعلى سلامة الوطن وأمنه واستقراره ، فقد أوصى القطاع الديني بوزارة الأوقاف بسرعة النظر في إسقاط الجنسية المصرية عن هؤلاء الخونة والعملاء ، إذ إنهم لا يستحقون هذا الشرف .
ونؤكد أن ما يقوم به هؤلاء المجرمون من تحريض على أوطانهم يتنافى مع كل القيم الدينية والوطنية والإنسانية ، وينبغي على كل وطني مخلص أن يعلن تبرأه من هؤلاء وأفعالهم ، كما نرى أن مد هؤلاء الخونة بأي معلومات عن الوطن وما يدور فيه من أحداث يعد خيانة وطنية تستوجب المساءلة والمحاسبة ، وقد آن الأوان للتمييز الواضح بين الوطنيين المخلصين الشرفاء وبين الخونة والعملاء ، سواء هؤلاء المأجورون في الخارج ، أم من يدعمونهم بالداخل .
كما طالب القطاع الديني بالتحفظ على أي أموال أو ممتلكات لهؤلاء الأشخاص بحكم انتمائهم إلى الجماعة الإرهابية ، فإذا كان الملحق بالشيئ يأخذ حكمه ، فكيف بمن كان عضوا رئيسا عاتيا في الإجرام ضالعا في التحريض على وطنه ؟
كما يحذر القطاع الديني من الخلايا النائمة المعروفة بالمتعاطفين, لأنها توفر الغطاء الأدبي لتحرك أعضاء الجماعات الإرهابية, ويؤكد على خطورة تحكم أي منهم في مفاصل الدولة التنفيذية, لأنهم بلا شك يحرصون من داخلهم على إعاقة مسيرة الدولة, ويتمنون تفككها لصالح الجماعات الظلامية الآثمة, ولا فرق بين إن كانوا مقتنعين أو مضللين ، لأن نتيجة تعاطفهم واحدة , وهي الخطورة على أمن المجتمع وسلامته.
وإلى جانب الخيانة الوطنية يطل علينا برأسيهما نوعان آخران من الخيانة ، هما : الخيانة القومية , والخيانة الدينية ، فالخيانة القومية تأتي من بعض الدول العميلة التي تتنكر لأمتها العربية ولبني جلدتها وتسلم نفسها وقيادتها للشيطان ولأعداء أمتها ودينها ، ناسية أنه لا بقاء لها أو لوجودها دون أشقائها ، وصدق المثل القائل : ” أكلت يوم أكل الثور الأبيض” , وإلى جانب هذه الخيانة الوطنية نجد خيانة أشد وهي خيانة الدين والأخوة الإسلامية من بعض الدول التي تزعم أنها حامية حمى الدين ، وهي تساند الإرهاب وتدعم الإرهابيين على حساب بعض الدول التي تعد حصناً للعروبة والإسلام .
ولمواجهة هؤلاء الخونة والعملاء والمأجورين نرى أنه لا بد من اصطفاف وتحرك عربي سريع جدًا للضغط على الدول التي تأوي الجماعات الإرهابية, والتي تتبنى وترعى قنوات فضائية تحث على العبث بأمن منطقتنا ، واتخاذ مواقف حاسمة وموحدة تجاهها, قبل أن يستشري خطر الإرهاب ليعصف لا بأمن المنطقة فحسب, بل بأمن العالم, مؤكدين للمرة المائة أن الإرهاب يأكل من يدعمه والصامتين عليه والمترددين في مواجهته .