الإسلام دين مكارم الأخلاق بكل ما تعنيه الكلمة من معان , تتجلى عظمته في أسمى معانيها في جوانبه الأخلاقية , فهو دين الرحمة , والعدل , والصدق , والأمانة , والعفاف , والوفاء , وكل القيم الإنسانية النبيلة , وقد لخص النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الهدف الأسمى لرسالته بقوله ( صلى الله عليه وسلم) : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” , ولما سُئل ( صلى الله عليه وسلم ) عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال عليه الصلاة والسلام : “تقوى الله وحسن الخلق” ( سنن الترمذي) , ويقول ( صلى الله عليه وسلم) : ” إن من أحبكم إلى وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا ” ( سنن الترمذي ) .
وتتجلى عظمة الإسلام أيضا في إنصافه الآخر والمختلف , وإيمانه بالتنوع الحضاري والثقافي , حيث يقول الحق سبحانه في كتابه العزيز ” وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ “( هود: 118-119) .
وتعد وثيقة المدينة أفضل أنموذج في تاريخ البشرية لترسيخ فقه التعايش السلمي المشترك بين الأديان والأجناس والأعراق والقبائل , بما حملته من روح التسامح وإنصاف الآخر , وحريته في المعتقد, حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ” (البقرة: 256) .
فقد نصت هذه الوثيقة على أن : يهود بني عوف , ويهود بني النجار , ويهود بني الحارث , ويهود بني ساعدة , ويهود بني جشم , ويهود بني الأوس , ويهود بني ثعلبة , مع المؤمنين أمة , لليهود دينهم وللمسلمين دينهم .. وأن الجار كالنفس غير مُضار ولا آثم , وأن بينهم النصر على من دهم يثرب , وأن من خرج منهم فهو آمن , ومن قعد بالمدينة فهو آمن , إلا من ظلم أو أثم , وأن الله ( عز وجل ) جار لمن بر واتقى , ومحمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
غير أن واقع كثير من الجماعات المنتسبة ظلمًا إلى الإسلام يعكس واقعا مرًا , فنرى القتل وسفك الدماء , والتدمير والتخريب , الذي يرتكب باسم الإسلام وتحت راية القرآن , والإسلام والقرآن من كل ذلك براء , وآخرها تلك الفعلة الإجرامية الشنعاء النكراء بحرق الطيار الأردني , تلك الفعلة الآثمة التي تعد وصمة عار في تاريخ وجبين الإنسانية , إضافة إلى ما نعانيه من عمليات إرهابية من قتل وتفجير , وتخريب وفساد وإفساد على يد تنظيم الإخوان الإرهابي والجماعات التي انبثقت عنه أو تعمل في موالاته .
كما نرى تخلفًا عن مصاف الأمم المتقدمة في العمل والإنتاج على عكس ما يأمرنا به ديننا الحنيف , حيث يقول الحق سبحانه : ” هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ” ( الملك : 15) , ويقول سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” (الجمعة:10) , وقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم) : ” إذا قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةً ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا ، فَلْيَغْرِسْهَا ” (رواه أحمد) , ويقول – صلى الله عليه وسلم- : ” خيركم من يأكل من عمل يده ” (أخرجه البخاري) , ويقول عليه الصلاة والسلام : ” من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورًا له ” (أخرجه الطبراني) .
كما نجد انحرافًا واضحًا لدى كثير من المنتسبين إلى الإسلام في مجال القيم والأخلاق , فبينما يأمرنا الإسلام بالصدق , والوفاء بالعهد, وأداء الأمانة , نجد واقع المسلمين غير ذلك , مما يتطلب جهدًا كبيرًا لتصحيح هذه الأخطاء , وإزالة التشوهات والنتوءات التي لحقت بالوجه الحضاري السمح لديننا الحنيف , وهو ما نؤمل أن يعالجه مؤتمرنا القادم للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان ” عظمة الإسلام وأخطاء بعض المنتسبين إليه : طريق التصحيح ” في بحوثه وتوصياته , أو أن يسهم على أقل تقدير في تصحيح أخطاء هذه الجماعات , وإبراز الوجه الحقيقي لسماحة الإسلام وأوجه عظمته.