من قلب الحدث, ومن واقع حال أم بين طفليها, تحاول أن تتماسك لتحتبس دموعها إشفاقا عليهما, ومن حال أم أخرى ربما فقدت وحيدها, وزوجة زلزل الإرهاب استقرار أسرتها, وأتاها بما لم تكن تحتسبه أو تعد له عدة, فقد خرج الأب ولم يعد ، وخرج الابن ولم يعد ، وخرج الزوج ولم يعد .
إنه الإرهاب الغادر الذي لا نخافه ولا نرهبه, ولم نعد نخشاه, فلسنا أكرم على الله تعالى من هؤلاء الشهداء, شهداء الدين والوطن, شهداء الجيش والشرطة .
ثم ما أعظم هذه اليد الحانية, وهذا الإحساس الوطني العميق, والشعور بالمسئولية تجاه كل شهيد, بل تجاه كل مصري, فلا تكاد تعرفه إلا أبا حانيا وأخا كريمًا, إنه السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية .
لقد تذكرت أبيات شوقي حين خاطب الخديو عباس حلمي يوصيه بالمكفوفين من أبناء الأزهر :
نظـــرًا وإحسانـــــا إلــــى عميانـه |
وكـــــن المسيــح مداويـا ومجبرا |
والله مــــا تدري لعــــل كفيفهــم |
يومـا يكون أبا العــــلاء المبصـــرا |
لو تشتريه بنصف ملكك لم تجد |
غبنـــاً وجل المشتـري والمُشترى |
إن فاتهم من نور وجهك فائــت |
لم يعدمـوا لوجـــوه برك منظــــرا |
لمسوا نداك كمن يشاهد مزنــة |
ويد الضرير وراءهــا عيــــن تـــرى |
أقول ياسيادة الرئيس : لقد لمسنا جميعًا بُعدًا جديدًا يضاف إلى كل أبعادك الوطنية, إنه البعد الإنساني والإحساس بالناس ، وهذا ما جعلني أعمل قلمي في أبيات شوقي مع تقديري الشديد له ، فأقول لسيادتك :
نظــرا وإحسانا لعــل يتيمهـــــــــم |
يـومـا يكــون القائـــد المتصـــدرا |
لو تشتريه بنصف ملكك لم تجد |
غبنـــاً وجل المشتـري والمُشترى |
لمسوا نداك كمن يلامس مزنـــة |
وغــــدا تـــرى فيهــم شعاعــا نيــرا |
سيادة الرئيس إننا نصدقك حين تقول: لو أستطيع أن آتي للمصريين بقطعة من السماء لفعلت, نقول ليس ذلك مستغربا من رجل حمل روحه على كفه لحظة أن استشعر الخطر المحدق بالشعب المصري.
سيادة الرئيس أنا على يقين أنك ستصدقنا حين نقول: لست وحدك, فالله معك, ونحن معك, والمصريون معك، فسر على بركة الله, ولا تخش في الحق لومة لائم, وإن الله لمؤيدك وناصرك وجامع القلوب حولك مادمت على الحق, وعلى هذا النهج من حب الوطن والعمل على نهضته ورقيه, والإحساس بما يشعر به أبناؤه, حريصًا على العدل بينهم .
وأختم حديثي بأمرين :
أحدها : أن هناك معنى لا يمكن أن أغفله حين نودي على تكريم اثنين من شهداء الشرطة، اثنين من المصريين ولا أقول من المسيحيين, لأن المصريين صاروا بفضل الله نسيجًا واحدًا, هم المصريون, المصريون وكفى دون الحاجة إلى مزيد من الأوصاف أو الصفات هكذا نريدهم, نريدهم بتلك اللحمة التي عادت لتتجسد من جديد, فبعد أن عطرت دماءُ المصريين جميعًا مسلمين ومسيحيين تراب الوطن وثراه على جبهة القتال, عادت لتعطر من جديد هذا الثرى في مواجهة الإرهاب .
الأمر الثاني: أنك ياسيادة الرئيس في كل يوم تحملنا مسئولية جديدة, ويحسب لك أن تضع الأمور في نصابها, وتدرك إدراكا لا يداخله شك أن مصر للمصريين جميعًا, وهي بهم جميعًا, فللمؤسسات الدينية احترامها وتقديرها, وعليها واجباتها ومسئوليتها التي يجب أن تعيها جيدًا, وكذلك الحال مع المؤسسات التعليمية, والعلمية, والبحثية, والفكرية, والثقافية, والإعلامية, والإبداعية.
وإني لأتخيل لمصر واقعا جديدا حضاريا مشرقا لو أدت المساجد والكنائس ومراكز الشباب وقصور الثقافة والمعاهد الأزهرية والمدارس والجامعات والجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني دورها ، بحيث تقوم كل مؤسسة بالدور المنوط بها كما يجب أن يكون ، سواء على مستوى تشكيل الفكر ، أم على مستوى تنمية الشعور الوطني ، أم الدفع باتجاه العمل والإنتاج والإتقان وبناء الوطن .
ماذا لو توجهت كل هذه القوى إلى البناء ، ومواجهة الهدم والهدامين ، والتصدي للتخريب والمخربين ، ماذا لو كان كل واحد من أبناء هذا الوطن سفيرًا له في الداخل والخارج.
غير أنني يا سيادة الرئيس أطمئنك أن روحك الإسلامية السمحة والوطنية الراسخة أخذت تسري رويدًا رويدًا في الشعب المصري بكل أطيافه وطوائفه, مع أنني أدرك أن تغيير الشعوب والثقافات يحتاج إلى أمرين: الدأب وبذل أقصى الجهد من جهة, والصبر والمثابرة وعدم اليأس من جهة أخرى ، على أن بعض الثمار ينضج مبكرًا وبعضها يحتاج مزيدًا من الوقت, فتعديل المسارات الفكرية والثقافية لأي شعب من الشعوب أو أمة من الأمم هو أشبه ما يكون بحياة الطفل أو النبات الذي ينمو كل يوم نموًا قد لا يكون ملحوظا بالعين المجردة غير أنه ينمو وينمو رغم ما قد يعترضه من عوامل طبيعية أو غير طبيعية حتى يقوى ، ويشتد عوده ، فيصبح الطفل رجلا ، وينتج الزرع ثمرا يانعا ، وإن ذلك لمرجو لمصرنا الغالية وأمتنا العربية ، وما ذلك على الله بعزيز ولا مستبعد .