*:*الأخبارمقالات

جودة المنتج البشري

Dr.Mokhtar-Gomaa
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

         لا شك أن الإسلام دين العمل والإتقان, يقول الحق سبحانه وتعالى : ” فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ” (الملك : 15) , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورًا له ” (الطبراني) , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ” (البخاري) , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها ” (رواه أحمد), ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” (البيهقي) , ويقول الحق سبحانه : ” إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ” (الكهف : 30) .

       والذي لا شك فيه أيضا أن الأخذ بمعايير الجودة صار أمرًا لا غنى للمؤسسات العلمية  والتعليمية والاقتصادية عنه في ظل أهمية تصنيفات مؤسسات الجودة العالمية سواء أكانت تلك المؤسسات منصفة أم منحازة, غير أن الذي لا غنى ولا محيص عنه هو حاجتنا الحقيقية إلى الجودة والإتقان, والتأكيد على أنهما من المعاني التي أكد عليها ديننا الحنيف والتي نؤمل أن تتحول إلى سمة وطنية وسلوكية وعملية وتطبيقية , بحيث يصبح الإتقان نمط حياة وسمة عامة للمنتج المصري , الذي كان له يوما ما تاريخ مشرف , وكانت عبارة ” صنع في مصر ” لبعض المنتجات تحظى بتقدير عالمي ولا سيما في مجالات الفكر والثقافة وبعض الصادرات الزراعية والصناعية في مجال المنسوجات , وكان العامل المصري موضع إبهار وبخاصة في منطقتنا العربية , التي كان لنا فيها وفي عمقنا الإفريقي كل التقدير والاحترام , وكانت لنا ريادة علمية وفكرية وثقافية ذات إبهار وتقدير.

       وندرك أيضا أنه ليس الفتى من يقول كان أبي, إنما الفتى من يعبر عن وجوده ويكون امتدادًا صالحًا لأصوله, على حد قول الشاعر :

                نبني كما كانت أوائلنا

تبني ونصنع مثل ما صنعوا

وكما قال الشاعر الجاهلي عامر بن الطفيل :

فما سودتني عامر عن وراثة

أبى الله أن أسمو بأم ولا أبِ

وأقول :

ومن يك ذا حسب كريم ومحتد

وليس له عمل فذاك بلاء

       والنقاد يؤكدون أن شرف الوالد يكون عارًا و مذلة للولد الناقص الذي يقصر عن رتبة أبيه, لأن إضاعته لمجد الآباء دليل ضعف وهوان وانكسار ، فمجد الآباء لا يكون عزًا إلا لمن يواصل المسيرة , على حد قول زهير :

وما يك من خير أتوه فإنما

توارثه آباء آبائهم قبله

وكما قال السموءل بن عادياء :

إذا مات منا سيد قام سيد

قئول لما قال الكرام فعول

ويقول الآخر :

نجوم سماء كلما غار كوكب

بدا كوكب تأوى إليه كواكبه

       على أنني أؤكد أننا في حاجة ملحة إلى أن يكون الإنتاج ثقافة حتى يصبح سمة, وأن يستشعر الجميع أن العمل شرف, وأن النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما رأى رجلاً منقطعًا إلى المسجد, وسأل من ينفق عليه, قالوا: أخوه, فقال (صلى الله عليه وسلم) : أخوه أفضل عند الله منه , وأكد ( صلى الله عليه وسلم ) أن اليد العليا المنفقة المتصدقة خير من اليد السفلى الممتدة الآخذة .

       ولن نملك كامل إرادتنا , ولن تكون كلمتنا من رأسنا حتى تكون لقمتنا من فأسنا كما قال فضيلة الشيخ / محمد متولي الشعراوي (رحمه الله) , وكان الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) يقول :

لحمل الصخر من قمم الجبــــــال

أحـب إليّ من منن الرجــــال

يقول الناس لي في الكسب عيب

فقلت العيب في ذل السؤال

على أن قليلا من الصبر والتعب في سبيل الوصول إلى الإتقان يتبعه كثير من التنمية والازدهار والرخاء في الدنيا ومرضاة الله في الدنيا والآخرة ، فينبغي أن نعمل على إجادة منتجنا البشري ، والتعليمي ، والفكري ، والاقتصادي ، وصولا إلى درجة الإتقان الشامل الذي لا غنى عنه للأمم والشعوب التي تريد أن تكون في مصاف الأمم الراقية المتقدمة .

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى