*:*الأخبارمقالات

هل وصلت الرسالة ؟

Mokhtar
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

       لا شك أن زيارة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية للكاتدرائية لتهنئة المصريين بها هي دعوة صريحة لوحدة الصف المصري ، فمصر للمصريين جميعًا ، المصريين وكفى دون أي إضافات أو تصنيفات أخرى ، فلن يتقدم شعب وهو منقسم عرقيًا أو طائفيا أو مذهبيا ، إنما تتقدم الشعوب وتنهض وترقى بوحدة أبنائها وبمقدار ما يكون بينهم من لحمة ووفاق وبر وصلة .

        وقد دار حديث بيني وبين معالي وزير المالية الدكتور هاني دميان حول احتفال الشعب المصري بمسلميه ومسيحييه بذكرى مولد الرسولين الأخوين محمد وعيسى عليهما السلام ، وحول إنشاء المكتبة الوطنية من مؤلفات المنصفين من الكُتّاب المسلمين والمسيحيين التي ترسّخ روح الوطنية والانتماء ، وتدعم قيم العمل والإنتاج ، وتدعو إلى نشر قيم التسامح والتعايش السلمي المشترك ، فقال الزميل العزيز : لا نقول مؤلفات المسلمين ومؤلفات المسيحيين ، إنما نقول مؤلفات المصريين ، فالوطنية هي القاسم المشترك الذي ينبغي أن نبني عليه جميعًا ، وما أن التقيت بالأنبا أرميا أثناء زيارة الكاتدرائية في صحبة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ، وما أن عرضت عليه الفكرة حتى لقيت منه ترحابًا كبيرًا ، وأبدى رغبة صادقة في التعاون والعمل المشترك ، واتفقنا على أن تضم المكتبة الكتب والمؤلفات التي تجمع ولا تفرق ، وتكون موضع قبول وإجماع من المصريين جميعًا .

       نعم يا سيادة الرئيس لقد لخصت كل هذه المعاني وزدت عليها في زيارتك التاريخية للكاتدرائية التي قرأها الشعب المصري كله قراءة واعية ، نؤمل أن تؤتي ثمارها في العلاقة التي تطمح أن يكون عليها أبناء الوطن وأشقاؤه من الود والوفاق والتعاون المثمر في سبيل نهضته ورقيه ، نقتسم العرق وتحدي الصعاب كما نقتسم لقمة العيش والارتواء بماء النيل وعبق الحضارة المصرية السمحة .

        وليست هذه هي الرسالة الأولى التي تلقاها المصريون بالقبول ، إنما إلى جانبها رسائل أخرى أكدنا أنها قد وصلت ولامست شغاف القلوب ، وأصابت موضعها ، وحركت ما كان بالنفوس هائجًا أو كامنًا ، ومن أهم هذه الرسائل رسالتكم في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ، فقد تلقتها المؤسسة الدينية كلها وعلى رأسها الأزهر الشريف في ظل القيادة الحكيمة للإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بالترحاب والقبول ، وعملنا جميعًا في وزارة الأوقاف ودار الإفتاء ومجمع البحوث وقطاع المعاهد الأزهرية تحت مظلة الأزهر الشريف وشيخه الكريم على تحويلها إلى برامج عمل ، كان من أبرزها وأخصها في وزارة الأوقاف المصرية ما يأتي :

1- مواصلة صالون الأوقاف الثقافي لنشاطه العلمي واختيار موضوعاته بدقة وعناية تتسق مع دعوة سيادتكم لتجديد الفكر الإسلامي في انفتاح عقلي ومعرفي يؤمن بإعادة النظر في أمور ظلت في حكم المُسلّمات لقرون طويلة ، حيث جاءت في ظروف ناسبت عصرها وزمانها وبيئتها ، وأصبح تغير الزمان والمكان والحال يتطلب رؤية جديدة ، حيث أكدنا على سبيل المثال في صالون الأوقاف الثالث حول : ” نظم الحكم والمتاجرة بقضية الخلافة ” أن كل حكم يسعى لتحقيق العدل والقضاء على الفساد ، ويعمل على تحقيق مصالح الناس وقضاء حوائجهم من شئون المعيشة والصحة والتعليم وما لا تقوم حياتهم إلا به من البنية التحتية من ماء وكهرباء وطرق، ولا يحول بينهم وبين أداء شعائرهم ، ولا يتصادم مع ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة ، فهو حكم رشيد مرضي عند الله وعند الناس ، فالعبرة بالغايات والمقاصد وليست بمجرد الأسماء والشكليات ، وإلا فليقل لنا المتشبثون بشكل نظام الحكم دون جوهره ، كيف يقرأون ما تكتبه بعض كتب التاريخ عن الخليفة العباسي الأول أبي عبد الله السفاح الذي لقب بالسفاح لكثرة ما سفك من الدماء حيث كان يتم قتل الأمويين على مجرد الهوية القبلية، وكيف استساغ هؤلاء أن يجمعوا للرجل بين لقبي الخليفة والسفاح في آن واحد ؟

      نعم نحن في حاجة إلى إعادة قراءة التراث وإلى تنقيحه وتيسيره في ضوء الحفاظ على الثوابت وما هو قطعي الثبوت والدلالة ، وما هو معلوم من الدين بالضرورة ، مع الخروج من دائرة القوالب الجامدة والأنماط السائدة في التفكير والمناقشة والمعالجة .

2- وإلى جانب هذا الصالون الثقافي يأتي المؤتمر العام الرابع والعشرون للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي يقام نهاية فبراير المقبل حول “عظمة الإسلام وأخطاء بعض المنتسبين إليه : طريق التصحيح”، وتأسيس منتدى السماحة والوسطية ، وملتقى شباب الأئمة ، وتأسيس مركز المجلس الأعلى للشئون الإسلامية للغات والترجمة ليكون لسان حال الأوقاف الناطق في العالم كله ، هذا إلى جانب الإعلان عن مسابقة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف حول موضوعي : ” تجديد الفكر الديني بين النظرية والتطبيق : الوسائل والآليات ” ، ” وتنقيح التراث وتيسيره وإعادة قراءته : بين الواقع والمأمول ” ، وبهذا نستطيع أن نقول : إن الرسالة قد وصلت واضحة جلية يا سيادة الرئيس .

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى