في الحلقة السادسة والعشرين من ملتقى الفكر الإسلامي بعنوان : “الإخلاص”
في الحلقة السادسة والعشرين من ملتقى الفكر الإسلامي
بعنوان : “الإخلاص”
أ.د/ بكر زكي عوض:
الإخلاص يتجلى في أبهى صوره عند الشدائد
د/ نوح العيسوي :
الإخلاص سبيل النجاة في الدنيا والآخرة
وشرط قبول الأعمال عند الله (عز وجل)
في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أذيعت مساء اليوم السبت 26 رمضان 1442هـ , الموافق 8 / 5 / 2021م الحلقة السادسة والعشرون لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان : ” الإخلاص” ، حاضر فيها كل من : أ.د/ بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين الأسبق ، ود/ نوح العيسوي وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد والقرآن الكريم ، وقدم للملتقى أ/ عمرو أحمد المذيع بقناة النيل الثقافية .
وفي كلمته أكد أ.د/ بكر زكي عوض أن الدين الإسلامي مكون من عقيدة وشريعة وأخلاق ، فالعقيدة تهدف لضبط الأخلاق ، والشريعة جاءت لتهذيبها ، وفي ذلك يقول سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) : “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ، فأخلاقنا التي جاء بها الإسلام تبلغ حدًّا كبيرًا في الكثرة ، ومن أهمها : الإخلاص الذي يبتغي به الإنسان وجه ربه تعالى في كل شيء يتصل به ، في حركاته وسكناته ، في أفعاله وأقواله ، وقد أمر ربنا سبحانه الأمم السابقة بالتعبد له بهذه الصفة ، فقال سبحانه : “ومَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ” ، وأما عند بعثته (صلى الله عليه وسلم) فمدحه ربنا بالإخلاص ، ومدح الأمة المحمدية ، فقال تعالى : ” إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بالْحَقِّ فَاعْبُدِ الله مُخْلِصًا لَّهُ ٱلدِّينَ ” ، وقال أيضًا في محكم آياته: ” قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” ، فدلت الآيات الكريمات وغيرها من آيات ربنا في قرآنه أن أقوال الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأفعاله وتعبده كانت ابتغاءً لوجهه سبحانه .
وفي ذات السياق بين سيادته أن الأمة المحمدية استقبلت من الأوامر الإلهية التي تجعل من حركات أفرادها وسكناتهم ، وأقوالهم وأفعالهم مناطًا للإخلاص لله تعالى ، فخاطبهم ربنا بقوله : ” قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ”، وقال أيضًا : ” هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” ، فألزمت الآيات الحبيب (صلى الله عليه وسلم) هو وأمته بالتحلي بصفة الإخلاص التي هي مناط قبول الأعمال عند الله تعالى ، وقد حذر الرسول (صلى الله عليه وسلم) من الرياء ؛ حتى لا يصير العمل مُحبطًا عند الله تعالى ، فقال سبحانه : ” قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحًا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا ” ، ومن هنا نرى أن الإخلاص كله خير ولا بد منه حتى يتقبل الله العمل ممن يقوم به .
كما يبين سيادته أن الإخلاص يتجلى في أبهى صوره عند الشدائد والنوازل التي يتعرض لها العبد في دنياه ، فيظهر مدى تقبله لقضاء الله وقدره ومدى إخلاصه لله في كل أفعاله وأقواله ، وما ينزل على العبد من ابتلاء يريد الله أن يختبره به أو أن يرفعه بذلك إلى درجة أعلى عنده ، فيقول سبحانه : “وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ” ، وأن الإخلاص هو طريق النجاة دومًا للعبد في كل ضائقة أو شدة.
وفي كلمته بين الدكتور/ نوح العيسوي أن الإخلاص روحُ الطاعاتِ ، وجوهرُ العباداتِ ، لاَ تُقْبَلُ الطاعةُ بدونِهِ ، لأن الله سبحانه وتعالى جعله شرطا لقبول الأعمال الصالحة ، ليس في العبادات فقط ، بل في جميع الأعمال والأقوال ، فلا بد من أن تكون النية صادقة خالصة لوجهه تعالى ، وقد بين ذلك النيي (صلى الله عليه وسلم ) عندما أتاه رجل وسأله ، فقالَ : يا رسول الله : أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَالَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): « لَا شَيْءَ لَهُ » فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «لَا شَيْءَ لَهُ» ثُمَّ قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ ».
ثم أكد فضيلته أن الإنسان مرتهن بعمله عند ربه (عز وجل) ، إما أن يقبله وإما أن يردَّه، والعمل المردود سبب من أسباب هلاك صاحبه؛ لأنه قصد به رضا الناس لينال مدحهم وثناءهم عليه ، فكان كما قال ربنا سبحانه : {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} فكل ما عملوا في الدنيا من عمل صالح أصبح هباء منثورًا ، لا قيمة له ولا وزن له ؛ لأنه لم يقم على الإخلاص لله رب العالمين ، ففي الحديث عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ : الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً (أي : من أجل العصبية والدفاع عن عشيرته ولو بالباطل)، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً (أي : يقاتل من أجل أن يقال عنه : إنه شجاع)، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً (أي يقاتل من أجل رضا الناس وثنائهم عليه وليس من أجل الله تعالى)، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ : «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيََ الْعُلْيَا، فَهْوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وفي ختام كلمته أكد أن الله تعالى لا ينظر إلى كثرة الأعمال أو قلتها بقدر ما ينظر إلى قيمة الإخلاص فيها ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ». وفي رواية: « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ » وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ فالعاقل الفطن هو الذي يخلص النية لله تبارك وتعالى لأنّ الناس لا ينفعونه بشيء إذا راءى لهم بل هو الخاسر يوم القيامة.