“والله سأحاجيكم أمام الله يوم القيامة وسأقول للمولي عز وجل: يارب… أنا أبلغتهم”.
كلمات بسيطة ومباشرة ومن القلب قالها الرئيس السيسي لعلماء مصر في الاحتفال بذكري الحبيب البشير صلي الله عليه وسلم.
كلمات بسيطة.. لكنها تملك كل مقومات القوة بعد أن طالب الرئيس بثورة دينية تجدد الخطاب الديني وتواجه الفكر المتطرف.. وتطور الفكر الديني تطويرا مسئولا وفاعلا لمواجهة الفكر القريب الذي انتشر مدعيا انه من الاسلام والاسلام منه براء..
تساؤل بسيط طرحه الرئيس في كلمته يحمل اجابته في مضمونه “هل من الممكن أن تكون هذه الأفكار المتطرفة التي يتم تقديسها من البعض حاليا وتعادي الدنيا كلها.. دون مواجهة من أحد؟
وكما أكد الرئيس في رسائله الواضحة علي ضرورة الثورة الدينية الآن.. دون تأخير.. فإننا نؤكد للرئيس أن الرسالة وصلت فعلا..
الرسالة وصلت.. يا سيادة الرئيس. الرسالة وصلت.. وبدأت تؤتي ثمارها.
في أقل من 48 ساعة.. وبرغم الاجازة الرسمية بمناسبة المواد النبوي الشريف يوم السبت الماضي اجتمعت اللجنة التحضيرية وكنت مشاركا لعضويتها بدعوة من وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة.. حضرها عدد من العلماء والمفكرين والاعلاميين.. كانت الخطوة الأولي السريعة للإجابة السريعة علي الرسالة الرئاسية.
وكعادة وزير الأوقاف فإن رد فعله السريع الواضح الفاهم كان متفقا مع رؤية الجميع.. لذلك كان رد دار الافتاء أيضا في نفس الاتجاه.. ورد الأزهر كذلك بتشكيل لجنة لوضع أسس تبني عليها..
الثورة لا يمكن أن يقوم بها جهة واحدة.. بل لابد من المشاركة الايجابية من الجميع.. وفي نفس الاتجاه.. ليس لدينا في الاسلام رجل دين بالمعني الذي عرفه الغرب في العصور الوسطي.. لكن لدينا علماء ثقاة.. ومجتهدون يخطئون ويصيبون.. ويجتهدون انحرفوا بحقيقة العقيدة الي رؤي لها مصالح لذلك كانت الدعوة لصحوة الضمير وعودة الروح الاسلامية الحقيقية هي دعوة جماهيرية وليست دعوة للنخبة من الدعاة والعلماء والمثقفين والاعلاميين وحدهم.. وان كانوا هم المسئولون أمام الله علي تجديد الخطاب الدعوي.
عندما أقول ان الرسالة وصلت فإنني أعي ذلك تماما فما شهدته وسمعته خلال اجتماع السبت الذي استمر لأكثر من أربع ساعات يؤكد أن لدينا رؤية حقيقية وأن الأوقاف بدعاتا وأئمتا ومساجدا وآليات قادرة بالاشتراك مع الأزهر الشريف مرجعيتنا الأساسية وبيت المسلمين الأول ومع كل جهات الدعوة والرأي.. أن يقودوا هذه الثورة الهادئة بلا ضجيج ولا صخب.. بلا دخول في مهاترات لا معني لها.
¼¼ أعرف أن التجديد دائما له أعداء من المتمسكين بالماضي والذين يعيشون علي التراث القديم وكأنه مقدس من المقدسات.. وأعرف ان هناك من يؤول التراث ويفسره علي هواه لمغنم أو مأرب وسيواجه كل تجديد بشراسة ولكن الحق أحق بأن يتبع.. والحق هو المنتصر والتجديد ليس بدعة وليس حالة زمنية نواجه بها الارهاب.. بل هي دائمة في كل عقيدة ومع كل دين.
¼¼ والتجديد له ثوابت وله أسس علمية لا حياد ولا ابتعاد عنها أبدا..
فالكتاب والسنة.. القرآن وسنة رسول الله الصحيحة التي أجمع عليها الثقاة.. من المقدسات التي لا يمكن أن تقبل تجديدا أو رؤية مختلفة القرآن يحفظه رب العالمين بقول مقدس وآية من آيات الكتاب الكريم.. وأحاديث رسول الله لها قدسية سواء كانت قولا أو فعلا أو اقرارا بشرط صحة السند والمتمم.. أو بالشروط التي اتفق عليها علماء السنة.
دون ذلك من كتب التراث ليست مقدسة لأنها صنع بشري.. لها ما لها وعليها ما عليها.. ولا قدسية الا لله سبحانه وتعالي ونبيه المعصوم عليه الصلاة والسلام..
كتب التراث معظمها بدأت مع العصر الأموي واتسعت مع العصر العباسي وانتشرت بعد ذلك وهي من أجيال ليست من الصحابة.. أو حتي التابعين.. وان كانت جهدا بشريا محترما مخلصا أراد العلم لله.. وافادة المسلمين.. وهذا كله لا يمنح هذا التراث العصمة أو القدسية وبالتالي فلابد أن نعترف أن في عصرنا الحديث نحتاج الي تجديد وتنقيح وتنقية ولكن لا نلغي التراث.. بل يبقي ونحافظ عليه ونحميه.. لأنه المعين والنهر المتدفق للعلم.. يحتاج الي تنقية نعم.. لكن استمراره وبقاؤه ضرورة علمية لمن يريد البحث والدراسة..
من هنا كان لزاما أن نحدد الفارق بين التجديد والموازنة بين الأصالة والمعاصرة.
مثلا ضرب فضيلة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف مثالا رائعا علي ضرورة تجديد كتب التراث متسائلا: من هو أول خليفة عباسي؟ وأجاب هو: السفاح.. وسمي السفاح كما تقول معظم كتب التاريخ لكثرة ما سفك من دماء بني أمية وكان يقتلهم علي الهوية لمجرد أنهم من بني أمية نسبا.. وهذا السفاح سمي “الخليفة” العباسي الأول.. فهل يجوز أن يكون خليفة رسول الله صلي الله عليه وسلم سفاحا؟
واذا كان ذلك جائزا فلماذا لا نعتبر أبوبكر البغدادي الداعشي السفاح خليفة كما يزعم؟
الأمر يحتاج لدراسة ورؤية جديدة.. ويحتاج الي مناقشة واسعة من أهل العلم والخبرة لتحديد أسس التجديد والتنقية.. فالتجديد ليس مجرد تنقية أو تنقيح لتراث.. بل التنقية والتنقيح واختيار الأصلح للدعوة من التراث هو عنصر واحد من عناصر التجديد.. لأن للتجديد عناصر وأسس علمية وشرعية وثقافية الي جانب عناصر دعوية واعلامية.. والتجديد في حد ذاته رسالة تؤكد المعاصرة.. لكنه في نفس الوقت يؤكد علي الأصالة.. لأنه لا معاصرة جادة وحقيقية بدون أصالة وتأصيل.. وعندما نهتم بالتأصيل فهو اهتمام بالتاريخ الاسلامي.. والاجتهاد والعطاء العلمي طوال أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان.
وفي هذا المجال لا يمكن أن أنسي أن اطلاق منتدي السماحة والوسطية.. واطلاق المركز العالمي للترجمة من المجلس الأعلي للشئون الاسلامية هما من أهم ركائز العمل التجديدي فالمنتدي بما يحمله من أهداف ورؤي وأفكار هو أحد الركائز الأساسية التي يمكن أن ينطلق منها ثورة التجديد.
والثورة الدينية أعم وأشمل من مجرد التجديد لأنها رغبة في الانطلاق وعمل فعال دائم متواصل علي أسس علمية حقيقية لمواجهة كل ما هو دخيل علي الفكر الاسلامي الصحيح. القضية ليست فقط في التطرف بل أيضا في التنطع والتساهل الذي يصل بنا الي حد الاسفاف.. بل الي الإلحاد أحيانا فلكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه.
سيادة الرئيس.. الرسالة وصلت.. وحققت البداية الصحيحة.. المهم الاستمرار وتواصل الجهود وتوحد الرؤي والأعمال.. وأن يكون الله وحده سبحانه وتعالي من وراء القصد.
|