*:*الأخبارأخبار الأوقاف2
في الحلقة السابعة عشرة من ملتقى الفكر الإسلامي
في الحلقة السابعة عشرة من ملتقى الفكر الإسلامي
بعنوان : الصبر
أ.د/ أحمد ربيع :
الصبر له أهمية نفسية كبيرة للإنسان
الصبر استشعار وجود الله تعالى ومراقبته
الصبر فيه توثيق الصلة بالله تعالى والانصراف إليه والالتجاء إلى رحمته
د/ رمضان عفيفي :
الصبر ضياء ينير الله به دروب الحائرين ويهدي به صراطه المستقيم
الصبر نصف الإيمان وهو من أخص صفات أولي الألباب
في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أذيعت مساء اليوم الخميس 17 رمضان 1442هـ الموافق 29/ 4/2021م الحلقة السابعة عشرة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان: “الصبر” ، حاضر فيها كل من : أ.د/ أحمد ربيع عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر السابق ، ود/ رمضان عفيفي مدير عام الإدارة العامة للإرشاد الديني بديوان عام وزارة الأوقاف ، وقدم للملتقى الإعلامية أ/ ميرفت فوزي المذيعة بقناة النيل الثقافية.
وفي كلمته أكد أ.د/ أحمد ربيع أن الصبر ورد في القرآن الكريم 135 مرة ، وهذه المساحة الكبيرة تبين أن للصبر أهمية كبيرة ، موضحًا سيادته أن الصبر ليس صبرًا على البلاء فحسب ، بل يمتد ليشمل الصبر على الطاعة ، وعدم المعصية ، فالصبر استشعار وجود الله تعالى ومراقبته ، فمن الصبر على الطاعة يقول الله تعالى : ” وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى” ، وجاءت هذه الآية بعد ذكر الله تعالى النعم التي أنعم الله بها على الإنسان ، حيث يقول سبحانه : “وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى” ، وفي قوله تعالى : ” وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ” قرن الله سبحانه الصبر بالصلاة ، فالصبر والصلاة متلازمان لا يفترقان أبدًا فلا تكون الصلاة بدون صبر ولا يكون الصبر بدون صلاة ، فمن أراد أن يتعلم الصبر فعليه بالصلاة ومن أراد صلاة خاشعة فعليه بالصبر ، كما أن الصبر أيضًا يكون على عدم المعصية ، حيث يمنع الإنسان نفسه عن معصية الله (عز وجل) ويصبر على المعصية .
كما أشار سيادته إلى أن هناك جانبًا آخر للصبر ، وهو الصبر على المحن ، والصبر له أهمية نفسية كبيرة للإنسان ، فإذا أصاب المؤمن ضر أو محنة ، يلجأ إلى الله سبحانه ، فالصبر فيه توثيق الصلة بالله تعالى والانصراف إليه والالتجاء إلى رحمته ، حيث يقول تعالى : “الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ” ، والمؤمن يقتدي بالأنبياء في صبرهم ، فنوح (عليه السلام) دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا ، وصبر عليهم ولم يدع عليهم إلا بعد أن علم أنهم لن يؤمنوا ، يقول سبحانه : ” وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ” ، ويقول سبحانه : ” وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا” ، وهذا إبراهيم (عليه السلام) أنموذج للصبر مع أنه لم يُمنح الذرية ، وعندما مُنح الولد على كبر أُمر أن يأتي بولده وزوجه إلى أرض قفراء ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا) قَالَ: جاءَ إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام) بِأُمِّ إِسْمَاعِيل وَبابنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِي تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فوْقَ زَمْزَمَ في أَعْلَى المسْجِدِ، وَلَيْسَ بمكَّةَ يَؤْمئذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوضَعَهَمَا هُنَاكَ، وَوضَع عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيه تَمرٌ، وسِقَاء فِيهِ مَاءٌ. ثُمَّ قَفى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فتَبِعتْهُ أُمُّ إِسْماعِيل فَقَالَتْ: يَا إِبْراهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وتَتْرُكُنَا بهَذا الْوادِي الَّذِي ليْسَ فِيهِ أَنيسٌ ولاَ شَيءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلكَ مِرارًا، وَجَعَلَ لاَ يلْتَفِتُ إِلَيْهَا، قَالَتْ لَه: آللَّهُ أَمركَ بِهذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَت: إِذًا لاَ يُضَيِّعُنا، ثُمَّ رجعتْ. وكانت نتيجة صبره أن اتخذ الله إبراهيم خليلا ، ونشأت أمة كبيرة هى أمة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، كما ذكر القرآن الكريم نماذج للصبر ، منها قصة يعقوب (عليه السلام) وولده يوسف (عليه السلام) ، حيث يبتلى بفقد ولده ، وليس موتًا ، بل غيابًا ، قال تعالى : ” وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ” ، والصبر الجميل ، هو الذي لا شكوى معه ، ويوسف (عليه السلام) ينزع من أبيه فيصبر ، ويُلقى في الجب للهلاك فيصبر ، ويخرج فيباع فيصبر ، ويتعرض للفتنة فيصبر ، ويقول : “قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ” ، وكانت عاقبة صبره أن صار إلى ما صار إليه من التمكين في الأرض ، فالصبر يصل بالإنسان إلى ما يتمنى وما يريد ، وها هي قصة سبأ ، حيث يقول الحق سبحانه : ” لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ” ، فجمع بين الصبر والشكر لأن الصبر والشكر من أفعال ذوي العقول ، فأخبر أن في ذلك لآيات لكل ذي عقل، لأن الآيات جعلها الله عبرًا لذوي العقول والتمييز ، كما قص القرآن الكريم خبر أيوب (عليه السلام) ، حيث يقول سبحانه : “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” ، فكانت شكوته لله سبحانه ، فكان الرد الإلهي : “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ” . مؤكدًا سيادته على أن الصبر إنما يكون عند الصدمة الأولى ، فعَنْ أَنَسٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) قَالَ: مَرَّ النَّبيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بامرأةٍ تَبكي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: “اتَّقِي اللهَ وَاصْبِري”، فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي؛ فإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّه النَّبيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفكَ، فَقَالَ: “إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى” ، مختتمًا سيادته بالتأكيد على أن الصبر هو الذي يحقق آمال الإنسان ، فالصبر مفتاح الفرج.
وفي بداية كلمته أكد د/ رمضان عفيفي أن الله (عز وجل) جمع للصابرين بَيْنَ أُمُورٍ لَمْ يَجْمَعْهَا لِغَيْرِهِمْ وذلك بأن صلوات الله تعالى ورحمته تتنزل عليهم ، وشهادة الله لهم بالهداية فَقَالَ تَعَالَى :”أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”، فالهدى والرحمة والصلوات مجموعة للصابرين ، والعبد لا يستغني أبدا عن الصبر في حال من الأحوال، يقول الإمام الغزالي في تعريف الصبر : هو ثبات باعث الدين الذي هو في مقابلة باعث الشهوة ، مشيرا إلى أن الصبر على ثلاثة أقسام: صبر على الطاعات، وصبر عن المحرمات ، وصبر على الابتلاءات، موضحا أن الله تعالى ذكر فضل الصبر في أكثر من تسعين موضعًا في القرآن الكريم ، ففي الأمر بالصبر أمر الله تعالى به نبيه (صلى الله عليه وسلم) ، قال تعالى: ” فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ” ، وأمر به لقمان ابنه: “يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ” ، وأمر به الله عباده فقال تعالى: “وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ” ، وقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” ، وقال تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) : “فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ”، والصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ ، كما وعد الله تعالى الصابرين بأنه معهم فقال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”، فالصبر من أخص صفات أولي الألباب قال تعالى:” إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار”، مشيرًا إلى أن أخص صفات عباد الرحمن الصبر، قال تعالى: “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا” – إلى قوله تعالى : “أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا”، مبينا أن الصبر هو الزاد، والقوة والعتاد، يحتَاجُهُ المَرِيضُ في شَكوَاهُ، والمُبتَلى في بَلوَاهُ، وَالدَّاعِيَةُ إلى الله في دعوته، والمرأة في بيتها، والأب في أسرته، والمعلم في مدرسته، وطَالِبُ العِلمِ في دراسته، والموظف في إدارته، والتاجر في تجارته، والعامل في خدمته ، فالصبر نصف الإيمان ، فمن قل صبره قل إيمانه، وخير عيش أدركه السعداء، إنما أدركوه بالصبر. لصبر سيد الأخلاق، وأساسها وعنوانها وقوامها، فالعفة صبر عن الشهوات المحرمات، والحلم صبر عن الانتقام عند الغضب، وسعة الصدر صبر عند الضجر، والقناعة صبر على الكفاف واليسير.. وهكذا بقية الأخلاق، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “وما أُعطِيَ أحَدٌ عَطاءً هو خَيرٌ وأوسَعُ مِن الصبر”ِ، والصبر ضياء ينير الله به دروب الحائرين، ويهدي به صراطه المستقيم ، الصبر عون على دوام الطاعة، ولزوم العبادة والاستقامة، الصبر عدة المسلم في مجاهدة النفس على ترك الذنوب والخطايا، الصبر عزاء المسلم عند نزول الكروب وحلول البلايا، ولولا الصبر لغرق المهموم في همومه، ولضاق الحزين ذرعا بأحزانه وغمومه ، والصبر طريق المجد وسبيل المعالي، وكل الناجحين في الدنيا إنما حققوا آمالهم بالصبر؛ استمرؤوا المر واستعذبوا العذاب واستهانوا بالصعاب، وما فات لأحد كمال إلا لضعف في قدرته على الصبر والاحتمال، وإذا كانت الدنيا لا تنال إلا بالصبر، وهي لا تعدل عند الله جناح بعوضة، فكيف بالجنة التي عرضها السماوات والأرض، و فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، جمَّل اللهُ تَعَالَى بِالصبر المُرْسَلِيْنَ، وَأَمَرَ بِهِ خَاتَمَ الْنَّبِيِّيْنَ “وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ” ، وقال تعالى :”وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا”، وأمرالله به المؤمنين، فقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا”، وأثنى الله على أهله، فقال تعالى: “وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ”، وأخبر الله بمحبته للصابرين، فقال تعالى: “وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ”، وبمعيَّتِه لهم، فقال تعالى: “وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”، وإذا كانت مرارة الدواء يعقبها الشفاء، فقد رتب الله على الصبر عظيم الجزاء، فقال تعالى:” إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ”، مختتما حديثه أن الله قرن الصبر بالقيم العليا في الإسلام، فقال تعالى: “وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”.