*:*الأخبارأخبار الأوقاف2

في الحلقة السادسة عشرة من ملتقى الفكر الإسلامي
بعنوان: العدل

في الحلقة السادسة عشرة من ملتقى الفكر الإسلامي

بعنوان: العدل

أ.د/ بكر زكي عوض :

النبي (صلى الله عليه وسلم) كان أنموذجًا عمليًا وتربويا في تطبيق العدل

والعدل كلُ لا يتجزأ وهو أساس الحضارات والاستقرار

وبه تتحقق الراحة النفسية للمجتمعات

د/ نوح العيسوي :

بالعدل تساس الرعية ويسعد الناس وتستقيم الحياة

وهو خلق العظماء وصفة الأتقياء ودأب الصالحين وطريق الفلاح

 

     في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أذيعت مساء اليوم الأربعاء 16 رمضان 1442هـ الموافق 28/ 4 / 2021م الحلقة السادسة عشرة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان: “العدل” ، حاضر فيها كل من : أ.د/ بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين الأسبق جامعة الأزهر ، د/ نوح العيسوي رئيس الإدارة المركزية لشئون المساجد والقرآن الكريم وقدم للملتقى الإعلامي أ/عمرو أحمد المذيع بقناة النيل الثقافية.

 وفي بداية كلمته أكد أ.د/ بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين الأسبق جامعة الأزهر أن الإسلام جاءَ لإخراج الناس من جَور الأديان إلى عدلِ الإسلام، حيث إنّه بالعدلِ قامت السماوات والأرض، واتَّصف الحقّ سبحانه به، ونفَى عن نفسه ضدَّه وهو الظلم قال تعالى : “إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ”، وقامَ دين الإسلام على العدلِ، قال تعالى : “وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً” ، فهو صِدق في أخباره، عَدل في أحكامه، لا يقِرّ الجورَ والظلم ولا العدوان، بل هو دائمًا مع الحقِّ أينما كان، يأمر بالوفاء بالعقودِ والعهود حتى مع الكفّار، قال تعالى : “وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ” ، وقال تعالى : “وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى” ، أي: لا يحمِلَنّكم بُغضُ قوم على تركِ العدل؛ فإنّ العدلَ واجب على كلّ أحد وفي كلّ حال، مبينًا أن الله أمَر به رسولَه في قوله: “وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ” ، وأمَر به جميعَ خلقه في قوله : “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ” ، مشيرً إلى أن مظاهر العدل في شهر الصيام تتجلى لنا عندما فرض علينا الصيام فقد فرضه على الأمم السابقة ، قال تعالى :”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” ، كما أن من مظاهر العدل في ارتباط الصوم بشهر هجري وهو شهر رمضان أن الإنسان عندما يصوم لا يصوم في الصيف فقط ، أو الشتاء فقط كما يصوم بعض الطوائف في ديانات أخرى وإنما يصوم في جميع أيام العام كله ، والعدل مأمورٌ به في كلّ الأحوال، لأن مقامَ العدلِ في الإسلامِ عظيم، وثوابَه عند الله جزيل، فالعادِل مستجَابُ الدعوة، والله يحِبّ المقسطين، وصاحِبُ العدل في ظلِّ الرحمن يومَ القيامة، والحاكم والمسؤول مأمور بالعدل: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ” ، وسواء كان الحكمُ قضاءً أو قِسمةً أو حكمًا على أفرادٍ أو جماعَات أو تَصنيفًا أو جَرحًا وتعديلًا، كلُّ ذلك يجب أن يكونَ بالعدل ، مؤكدًا على أنه يجِب على الوالد أن يعدِل بين أولاده في العطايا والمعامَلة، فلا يفاضِلُ بينهم بالهِبات، وقِصّة النعمانِ بن بشير رضيَ الله عنه مشهورة في هذا، وقد ردّ النبيّ عليه الصلاة والسلام عطيّتَه حين لم تحصُلِ المساواةُ بين كلِّ الأولاد، وقال: “اتَّقوا الله واعدِلوا بين أولادكم” ، وكذلك يجب على الزوجِ أن يعدلَ بين أزواجه، وأن يساوِيَ بينهنّ في المبيت والنّفقَة والحقوق الزوجية، قال تعالى: “فَإِن ْخِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ”، مختتمًا حديثه أن العدل مطلوبٌ في كلِّ شيء حتى في القول والكلام ، قال تعالى : “وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا” ، وكذلك من العدل : العدل مع النفس، وذلك أن يحقق العبد الموازنة بين الروح والجسد لا يطغى أحدهما على الآخر قال تعالى :” وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا”، وكذلك من العدل : العدل في الكلام وهو من أشَقّ الأمور على النفس، ومن ربَّى نفسَه عليه فاز وأفلَح، ومن رُزِق العدل وحبّ القسطِ علَّمه الله الحقَّ، وصارَ رحيمًا بالخلق متَّبعًا للرسول مجتَنِبًا مسالِكَ الزّيغ والأهواء، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا”، فالعدل يحقق الراحة النفسية للجميع، قال تعالى :” وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ” ، وأن العدل كلٌّ لا يتجزأ ، وعند تطبيقه لا يعرف أجناسًا ولا ألوانًا ولا أنواعًا ولا أديانًا، وإنما يعرف شيئًا واحدًا وهو إحقاق الحق وإبطال الباطل.

وفي كلمته أكد الدكتور/ نوح العيسوي رئيس الإدارة المركزية لشئون المساجد والقرآن الكريم أن خُلق العدل من الأخلاق العظيمة الكريمة المحببة إلى النفس ، ذلك الخُلق الذي يبعث في النفس الأمان والطمأنينة إذا تم تطبيقه في الحياة ، فلا يخاف المظلوم من عدم إنصافه، ولا يجد الظالم إلا أن يكف ظلمه عن البشر، ولذلك أمرنا الله تعالى بإقامة العدل مهما كانت درجة القرابة ، والبعد عن اتباع الهوى مهما كانت درجة الغنى أو الفقر، فسبحانه ولي الجميع، فقال تعالى في محكم آياته: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” ، وقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”، فالآية أمر من الله بإقامة العدل حسبة لله وألا نجعل بُغضنا لقوم أو لأي أحد سبب في ظلمه ومنعه حقه الذي أوجبه الله تعالى.

كما أكد أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان خير من أقام العدل وحكم بالقسط بين الناس أيًا كانت مكانتهم ، حتى مع غير المسلمين فقد كان صلوات ربي عليه ينصفهم إن كان الحق معهم ، فقال (صلى الله عليه وسلم) مبينًا قيمة العدل: “إن المقسطينَ في الدُّنيا على منابرَ من لؤلؤٍ يومَ القيامةِ بينَ يدي الرحمنِ بما أقسطوا في الدُّنيا” ، هذه هي منزلة المقسط العادل يوم القيامة ، فما أروعها من مكانة عالية ينالها كل من تخلق بهذا الخلق الرفيع..

 ويتجلى لنا عدل الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذا الموقف العظيم ، حين قال (صلى الله عليه وسلم) : “من حلفَ على يمينٍ وَهوَ فيها فاجرٌ ليقتطعَ بِها مالَ امرئٍ مسلمٍ لقيَ اللَّهَ وَهوَ عليْهِ غضبان” فقالَ الأشعثُ بنُ قيسٍ: “فيَّ واللَّهِ كانَ ذلِكَ كانَ بيني وبينَ رجلٍ منَ اليَهودِ أرضٌ فجحدني، فقدَّمتُهُ إلى النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) فقالَ لي رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : “ألَكَ بيِّنةٌ؟” قلتُ : لاَ، فقالَ لليَهوديِّ: “احلف”، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ إذًا يحلفَ ويذْهبَ بمالي”، فنجده صلوات ربي عليه لم يحكم لقيس المسلم الموحد بالله بأرضه الذي أخذها اليهودي لأنه ليس معه بينة، ورضي بحلف اليهودي الكاذب فالأرض تحت يده وأقسم أنها له، فصلوات ربي عليك وعلى آلك وصحبك أجمعين.

وفي ختام كلمته أكد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حذرنا من أن نأخذ ما ليس لنا، ومن يفعل ذلك فقد اقتطع لنفسه قطعة من النار .. فقال صلى الله عليه وسلم: “إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضَكم أن يكون ألحنَ بحُجَّتِه من بعضٍ فأقضي له على نحوِ ما أسمعُ، فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه شيئًا فلا يأخذُه، فإنما أقطعُ له قطعةً من النارِ”.

فما أحوجنا أن نقتدي برسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أقواله وأفعاله ، وأن نتخلق بخلق العدل حتى يشملنا ربنا سبحانه وتعالى بعنايته ورعايته ورحمته.

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى