*:*الأخبارأخبار الأوقاف2
في الحلقة السادسة عشرة من برنامج “رؤية” على الفضائية المصرية
في الحلقة السادسة عشرة من برنامج “رؤية”
على الفضائية المصرية
وزير الأوقاف:
الإسلام دين يحترم العقل ويعلي شأنه
والفتوى يجب أن تكون عن بينة وبصيرة
ويؤكد:
الجماعات المتشددة والمتطرفة تجعل التحريم أصلًا
مع أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة
في إطار نشر الفكر الوسطي المستنير ، وإعادة قراءة النص في ضوء متطلبات وقضايا عصرنا الحاضر أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف خلال الحلقة السادسة عشرة من برنامج “رؤية” للفكر المستنير , اليوم الأربعاء 16 رمضان ١٤٤٢هـ الموافق 28/ ٤/ ٢٠٢١م والذي يذاع على القناة الفضائية المصرية ، وعدد من القنوات المتخصصة , خلال تناوله لكتاب من أهم إصدارات سلسلة “رؤية” للفكر المستنير وهو : “خطورة التكفير والفتوى بدون علم” , أن الإسلام دين يكفل حرية الاعتقاد فلا إكراه في الدين , ولا على الدين ، ولا قتل على المعتقد , ويؤكد أن الإسلام يسوي بين الناس في المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات على اختلاف معتقداتهم دون تمييز , وأن عماد الإسلام الرحمة والعدل وصيانة القيم , وقبول التنوع , واعتباره سرًا من أسرار عمارة الكون , موضحًا أن الإسلام دين يحترم العقل أداةً للفكر الصحيح , وأنه برئ مما يرتكبه بعض المنتسبين إليه من التكفير أو الفتوى بدون علم , وأنه لا يصح أن يحتج على الإسلام بأخطاء بعض المنتسبين إليه أو بسوء فهمهم له أو بانحرافهم عن منهجه , كما لا يصح أن يحتج على أصحاب الأديان الأخرى بأخطاء بعض المنتسبين إليها , وأن الفتوى بدون علم إثم عظيم ومفسدة عظيمة , وأن من تجرأ على الفتوى بدون علم فأصاب فعليه وزر , فإن أخطأ فعليه وزران وزر لخطئه ووزر لتجرؤه على الفتوى بدون علم , فالفتوى والدعوة يجب أن تكون على بينة وبصيرة , يقول الحق سبحانه وتعالى : “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” , والبصيرة تعني العلم والخبرة والفهم والرؤية والدراسة والتفقه , وقد حذر نبينا (صلى الله عليه وسلم) من التجرؤ على الفتوى فقال : “أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار” , ولما أفتى بعض أصحابه واحدًا منهم كان قد أصابته جنابة , وكان به جرح غائر , وقالوا له لا بد أن تغتسل , فاغتسل على جرحه فمات , فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : “قتَلوه، قتَلَهم اللهُ، ألَا سألوا إذ لم يَعْلَموا؛ فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السؤالُ، إنَّما كان يَكْفيه أنْ يتيَمَّمَ ويَعْصِرَ أو يعصِبَ على جُرْحِه خِرْقةً، ثمَّ يمسَحَ عليها، ويغسِلَ سائرَ جسَدِه” , وقال (صلى الله عليه وسلم) : “إنَّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ منَ النَّاسِ ، ولَكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العُلماءِ ، حتَّى إذا لم يترُك عالمًا اتَّخذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا ، فسُئلوا فأفتوا بغيرِ عِلمٍ فضلُّوا وأضلُّوا” , فشأن الإفتاء عظيم وأمره جلل , إذ ينبغي للمفتي أن يكون عالمًا بكتاب الله , وبناسخه ومنسوخه , ومطلقه ومقيده , وعامه وخاصه , عالمًا بسنة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , وبلسان العرب , وبأصول الفقه , وبقواعد الفقه الكلية , وفقه الأولويات , وفقه الواقع , غير أننا ابتلينا بأناس لا علم لهم ولا فقه , ولا هم من أهل الاجتهاد , ولا من أهل الاختصاص , أو دارسي العلوم الشرعية من مظانها المعتبرة , يسرعون في رمي المجتمع بالتبديع والتجهيل والتفسيق والتكفير , حتى وصل الأمر بالمتطرفين والإرهابيين منهم إلى استباحة الدماء واستباحة الأموال واستباحة الأعراض نتيجة الجهل والفتوى بغير علم , ونتيجة الانسياق خلف شهواتهم ونفعيتهم وطلبهم المال والدنيا , هذه الجماعات تذهب إلى أقصى النقيضين في قضية التحليل والتحريم , فلأنفسهم يستبيحون الدماء والأموال والديار والأعراض , وعلى غيرهم يحرمون كل شيء , وهناك من يسرع في التكفير مع أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) نهانا وحذرنا من الإسراع في التكفير فقال : “من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما” , أما تكفير المعين وهو الحكم على شخص بعينه , بذاته بأنه كافر , فليس لأحد من الناس ولا لأحد من العلماء إنما هو للقضاء , حتى يستطيع أن يدافع عن نفسه , فربما كان مخمورًا في هذا الوقت فيعاقب على السكر لا على الكفر , وربما تاب أمام القاضي , فتكفير المعين ليس لأحد من الناس أو الجماعات أو الأشخاص أو المؤسسات , تكفير المعين حكمه ومآله إلى القضاء , وللقضاء أن يستأنس برأي أهل العلم في المسألة , وحذرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) من الافتئات على الناس في أمر الآخرة , فقال (صلى الله عليه وسلم) : “كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ ، فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ : أَقْصِرْ . فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ : أَقْصِرْ . فَقَالَ : خَلِّنِي وَرَبِّي ، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ، أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا ، فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَقَالَ لِهَذَا : الْمُجْتَهِدِ أَكُنْتَ بِي عَالِمًا ؟ أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا ؟ وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي . وَقَالَ لِلْآخَرِ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ , فقَالَ (صلى الله عليه وسلم) وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ” , ومن الأخطاء الفادحة عند الجماعات المتشددة والمتطرفة الإسراع في التحريم , فيجعلون الأصل هو الحرام , فضيقوا على الناس طعامهم وشرابهم ولباسهم ومعاشهم وسائر شئون حياتهم , وعكسوا القواعد الفقهية الثابتة التي تؤكد أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة , وأن التحريم سواء في الطعام أم الشراب أم اللباس أم في أي شيء لا يثبت إلا بدليل , بنص القرآن الكريم ، يقول الحق سبحانه وتعالى : “قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ” , ومع ذلك حتى مع هذه المحرمات فتح الإسلام باب الرحمة للمضطر : “فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “إنَّ اللهَ فرضَ فرائضَ فلا تُضيِّعوها ، و حَدَّ حدودًا فلا تعتَدوها و حرَّمَ أشياءَ فلا تنتهِكوها ، و سكَت عَن أشياءَ رحمةً بكم غيرَ نسيانٍ فلا تسألوا عَنها” , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” ما أَحَلَّ اللهُ في كتابِه فهوَ حَلالٌ، و ما حَرَّمَ فهوَ حرامٌ، و ما سَكَتَ عنهُ فهوَ عَفْوٌ – أي مباح- ، فَاقْبَلوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَهُ وما كان رَبُّكَ نَسِيًّا” , أما الذين يسرعون في التكفير والتحريم بدون علم فنذكرهم بقول الله (عز وجل) : “قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ” , بدأ بالتحريم ردًا واستنكارًا على هؤلاء الذين يحرمون ما أحله الله على الناس..
نعوذ بالله من المفترين على الله ممن يفتون بدون علم ويسعون في التفكير بجهل ، ونسأل الله أن يرزقنا حسن الفهم.