:أخبار الأوقافأوقاف أونلاين

في الحلقة الحادية عشرة من برنامج (رؤية)
على الفضائية المصرية

في الحلقة الحادية عشرة من برنامج (رؤية)

على الفضائية المصرية

وزير الأوقاف :

نظام الحكم من الفروع وليس من الأصول

وآلية الحكم من المتغيرات وليست من الثوابت

ويؤكد :

كل حكم يحقق مصالح البلاد والعباد فثم شرع الله

و الفتوى في مستجدات الحياة تتغير

بتغير الزمان أو المكان أو الأحوال

في إطار نشر الفكر الوسطي المستنير ، وإعادة قراءة النص في ضوء متطلبات وقضايا عصرنا الحاضر أكد معالي أ. د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف خلال حادي عشر حلقات برنامج : “رؤية” للفكر المستنير يوم الجمعة 11 رمضان ١٤٤٢هـ الموافق 23/ ٤/ ٢٠٢١م والذي يذاع على القناة الفضائية المصرية ، وعدد من القنوات المتخصصة, حول كتاب : “فلسفة الحرب والسلم والحكم (2)” , أن كثيرًا من الجماعات المتطرفة اتخذت من قضية (الحكم) مطيةً لكثير من المغالطات , وما نؤكد عليه ونوضحه أولًا : هل قضية الحكم أو نظام الحكم من الأصول أو من الفروع , وهل هو من الثوابت أو من المتغيرات , الجانب الأول : العمدة في أصول الدين حديث جبريل (عليه السلام) مع سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , عندما جاء جبريل (عليه السلام) وسأل نبينا (صلى الله عليه وسلم) : قَالَ: «أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ»، قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» , فهذه قواعد الإيمان الأساسية , لم يذكر سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الحكم من بينها , ثم سأل جبريل (عليه السلام) سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلَامِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، هذه أركان الإسلام : الشهادتان , الصلاة , الصيام , الزكاة , الحج , فلو كان نظام الحكم ركنًا من أركان الإسلام أو من أركان الإيمان لذكره النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث , وهو الذي قال فيه ربه (عز وجل) : “وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى” , إذًا فقضية نظام الحكم من الفروع وليست من الأصول , الجانب الثاني : هل هي من الثوابت أو من المتغيرات : نؤكد أن آلية نظام الحكم ليست من الثوابت ، فعلى سبيل المثال كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعطي سهمًا من الزكاة للمؤلفة قلوبهم , عملًا بقوله تعالى : “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” , فسهم المؤلفة قلوبهم ثابت بنص القرآن وأعطاهم إياه نبينا (صلى الله عليه وسلم) , فلما جاء عهد أبي بكر (رضي الله عنه) وجاء المؤلفة قلوبهم إلى سيدنا أبي بكر (رضي الله عنه) وعلم سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بذلك , قال يا أبا بكر : والله لا نعطيهم , قال يا عمر كيف لا نعطيهم وسهمهم ثابت بكتاب الله القرآن و أعطاهم إياه , قال يا أبا بكر كنا نعطيهم والإسلام قليل ضعيف ونحن قلة ضعفاء , أما الآن فالذل أن نعطيهم ونحن في قوة ومنعة , هل يقال ولا يمكن لأحد أن يقول إن أصحاب سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) عطلوا النص , حاشا لله , هم أحرص ما يكون على تطبيق النص , ولكنهم أحسنوا فهم النص , فمثلًا عندما كان الإسلام في حاجة إلى تأليف قلوب بعض الناس إما لنصرته أو لكف شرهم عنه كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعطيهم , فلما قوي أمر الإسلام ولم يكن في حاجة إلى تأليف قلوب أحد أصبح أصحاب السهم في حكم غير الموجودين أصلًا , والحكم يدور مع مقصده وعلته وجودًا وعدمًا , فعندما يكون هناك حاجة لتأليف القلوب يعمل السهم , وعندما لا تكون هناك حاجة لا يعمل , كذلك في نفس الآية قوله تعالى : “وَفِي الرِّقَابِ” هل يعطل هذا السهم ؟ أو يصرف إلى باقي المستحقين للزكاة من الفقراء والمساكين “وفي سبيل الله وابن السبيل” , إذًا فمسألة نظام الحكم من المتغيرات , ولننظر أيضًا إلى تصرفات النبي (صلى الله عليه وسلم) في شئون الدولة , هناك ما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) بصفته نبيًا ورسولًا في الأمور التعبدية كالصلاة والزكاة , فالأمور التعبدية تأخذ كما جاءت عن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , وهناك ما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) بصفته نبيًا ورسولًا وحاكمًا , أي نبيًا ورسولًا ورئيس دولة , أو نبيًّا ورسولًا وقائدًا أعلى للقوات المسلحة , أو نبيًا ورسولًا ومسئولًا عن القضاء , فهذه التصرفات فيها صفتان : صفة النبوة والرسالة , والنبوة والرسالة ختمت بسيد الخلق محمد (صلى الله عليه وسلم) , مثلًا : إعلان حالة الجهاد , فالجهاد مصطلح يعادله في العصر الحاضر حالة الحرب والسلم أو التعبئة العامة أو التعبئة الخاصة , هل كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعلنها بصفته نبيًا فقط ؟ أو بصفته نبيًا وحاكمًا ؟ بصفته نبيًا وحاكمًا , فلما لقي النبي (صلى الله عليه وسلم) ربه انتقل هذا الحق إلى من يخلف النبي (صلى الله عليه وسلم) في رئاسة الدولة , فكان لأبي بكر (رضي الله عنه) , ثم لسيدنا عمر (رضي الله عنه) , ثم لسيدنا عثمان (رضي الله عنه) , لأنه لو كان الأمر متعلقًا فقط بمحض النبوة ما انتقل هذا إلى سيدنا أبي بكر (رضي الله عنه) , وإنما كان يتصرف النبي (صلى الله عليه وسلم) في إعلان حالة الحرب والسلم بصفته نبيًا ورئيس دولة.
وعندما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : “مَن أحيا أرضًا ميِّتةً فَهيَ لَهُ” أي: من استصلح أرضًا فهي له , هذا مما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) بصفته نبيًا ورسولًا وحاكمًا, أي أنه بعد لقاء النبي (صلى الله عليه وسلم) ربه ليس لأحد من الناس أن يعمم الحكم , وإنما من يتصرف فيه هو الحاكم , قال الإمام أبو حنيفة (رضي الله عنه) هذا مما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) تصرف الإمامة , أي بصفته (صلى الله عليه وسلم) نبيًّا ورسولًا وحاكمًا , فلا يجوز لأحد من عامة الناس أن يحيي أرضًا إلا بإذن الإمام لأن فيه تمليكًا فأشبه الإقطاعات , والإقطاع يتوقف على إذن الإمام فكذلك الإحياء , فهل يأتي أحد الآن في زماننا هذا ويقول أحييت هذه الأرض فهي لي لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : “مَن أحيا أرضًا ميِّتةً فَهيَ لَهُ” ؟ ولا يدفع حق الدولة من التقنين ونحوه ؟ نقول : لا , هذا مما أوكل فيه التصرف إلى الحاكم , أي أنه ليس لأحد أن يحيي أرضًا أو أن يستصلح أو أن يتملك من المال العام إلا وفق الضوابط والقوانين التي تقرها الدولة.
وعندما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ” , كان ذلك في ظروف عصرهم , لأنهم لم تكن لهم رواتب ثابتة , إنما كانوا يأخذون جزءًا من الغنيمة , أو مما يغتنمه المقاتل مِن سلب مَن قتله , هل تصرَّف النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذا التصرف بصفته نبيًّا ورسولًا فحسب , أو بصفته نبيًّا ورسولًا وقائدًا أعلى للجيش ؟ تصرف في ذلك بصفته نبيًّا ورسولًا وقائدًا أعلى للجيش , إذًا هذا مما تنظمه قوانين القوات المسلحة وقوانين الدول ودساتيرها , فالإسلام لم يضع قالبًا أو نظامًا جامدًا ثابتًا لنظام الحكم ، من يحكم به يحكم بالإسلام , ومن لم يحكم به لم يحكم بغير الإسلام , وإنما وضع قواعد عامة , هذه القواعد العامة لخصها أهل العلم في عدة نقاط : قالوا : الحكم الرشيد يقوم على العدل , ومنع الفساد , وحرية المعتقد , والعمل على قضاء حوائج الناس , فأي حكم إذا كان هذا الحكم يحقق العدل بينهم , ويحقق المساواة ، ويمنع الفساد ، والرشوة ، والمحسوبية ، والاختلاس , ويوفر للناس حرية المعتقد من باب قوله تعالى : “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” ، ويعمل قدر استطاعته وفق الموارد المتاحة على توفير حياة كريمة للناس , ويعمل على قضاء حوائج الناس , فأي حكم يعمل على ذلك بغض النظر عن مسماه فهو حكم رشيد , وللناس أن يضعوا من القوانين في ضوء المقاصد العامة للتشريع ما تستقر وتستقيم به شئون حياتهم من باب حيث تكون المصلحة فثمة شرع الله , ولا يجب أن ينخدع أحد في أباطيل الجماعات المتطرفة التي تضيق على الناس شئون حياتهم , وتحاول أن تضعهم في قوالب جامدة ليعيشوا خارج عصرهم , مع تأكيدنا أن الفتوى ولا سيما في مستجدات الحياة ومتغيراتها وطبيعة الحكم تتغير بتغير الزمان ، أو المكان ، أو الأحوال , فكل ما يؤدي إلى صلاح البلاد أو العباد فثمة موافق لشرع الله ، نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا حسن الفهم لديننا.
اظهر المزيد

منشور حديثّا

شاهد أيضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى