في تاسع حلقات برنامج (رؤية) على الفضائية المصرية
في تاسع حلقات برنامج (رؤية) على الفضائية المصرية
وزير الأوقاف:
الجماعات الإرهابية والمتطرفة لا يؤمنون بوطن ولا بدولة وطنية
ويؤكد :
خيانة الأوطان هي الخيانة الكبرى وهي أشد ألوان الخيانة
والمواطنة الحقيقية والمساواة في الحقوق والواجبات
سبيل الأمان الاجتماعي وقوة الدول
في إطار نشر الفكر الوسطي المستنير ، وإعادة قراءة النص في ضوء متطلبات وقضايا عصرنا الحاضر أكد معالي أ. د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف خلال تاسع حلقات برنامج : “رؤية” للفكر المستنير حول كتاب: “حق الوطن” اليوم الأربعاء 9 رمضان ١٤٤٢هـ الموافق 21/ ٤/ ٢٠٢١م والذي يذاع على القناة الفضائية المصرية ، وعدد من القنوات المتخصصة ، أن هذا الإصدار من سلسلة “رؤية” للفكر المستنير , يأتي في إطار الرد على الجماعات الإرهابية والمتطرفة , الذين لا يؤمنون بوطن ولا بدولة وطنية , وحاولوا أن يضعوا الناس في مغالطة إما أن تكون مع الدين , وإما أن تكون مع الوطن , مع أن الذي ندين لله به , ونلقى الله (عز وجل) عليه : هو أن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان , وقد قالوا : إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل وأصالة معدنه , فانظر إلى مدى انتمائه لوطنه , واعتزازه به , وولائه له وانتمائه إليه , وقد قالوا : رجل فقير ضعيف في دولة غنية خير من رجل غني في دولة فقيرة , لأن الأول : وهو الرجل الفقير في دولة قوية غنية له دولة تحمله وتحميه وتحافظ على حقوقه في الداخل والخارج , والآخر : مهما كان غنيًا في دولة ضعيفة لا أمان له في الداخل ولا في الخارج , لأن الدولة الضعيفة لا تستطيع حماية أبنائها لا في الداخل , ولا أن تحافظ على حقوقهم في الخارج , فهذا الذي لا دولة له فاقد لمعنى الأمن والأمان , وكما قالوا قديمًا : الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يعرف حقيقتها إلا من يفتقدها , فإن الوطن تاج على رءوس الوطنيين الشرفاء , لا يعرف حقيقة الوطن إلا من فقد وطنًا آمنًا مستقرًا , لا يعرف فضل الأوطان إلا الشرفاء من أبنائها , وعبر التاريخ الإنساني ما عمل أحد لوطنه إلا ربح الدارين , وعلى مدار التاريخ الإنساني لم يجد الناس في صف الوطن خاسرًا , ولم يجدوا إنسانًا خان وطنه أو كان عميلًا لأعدائه إلا كانت نهايته في الذل والهوان , وخيانة الأوطان هي الخيانة الكبرى , وهي أشد ألوان الخيانة , ثم إن من حقوق الوطن أن نفهم معنى المواطنة , والمواطنة مفاعلة , حقوق وواجبات متبادلة بين أبناء الوطن الواحد , دون أي تمييز على أساس الدين أو اللون أو الجنس , أو العرق , فالوطن لكل أبنائه , وهو بكل أبنائه , بل لأجياله المتعاقبة المتتابعة , وضريبة الوطن وحق الوطن لا يؤديه جيل واحد , إنما هي ضريبة على جميع الأجيال , ضحى آباؤنا وضحى أجدادنا , وها هي قواتنا المسلحة الباسلة وشرطتنا الوطنية , وعلى رأسها جميع قيادتنا السياسية , وكل وطني شريف, الطبيب في مشفاه , والمعلم في مدرسته , والصانع في مصنعه , والفلاح في زرعته , على كل واحد منا واجب يؤديه تجاه هذا الوطن , ولما أخرج نبينا (صلى الله عليه وسلم) من مكة نظر إليها قائلًا : واللَّهِ يا مكة إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ” , ولما هاجر النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة أسس دولته العظيمة في المدينة المنورة على أساس المواطنة في وثيقة هي أعظم في تاريخ البشرية , وثيقة المدينة المنورة التي رسخت لأسس العيش الإنساني , والسلام الإنساني على أساس المواطنة , وكان من أهم ما تضمنته هذه الوثيقة : أن يهود بني عوف ويهود بني ساعدة ويهود بني النجار ويهود بني جشم , وعد النبي (صلى الله عليه وسلم) يهود المدينة قبيلة قبيلة , ثم قال : وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين , وهكذا سائر القبائل لليهود دينهم وللمسلمين دينهم , وانظر إلى الإنصاف النبوي العظيم في هذه الوثيقة وفي نصها قبل أن يقول وللمسلمين دينهم يقول : لليهود دينهم , يقول تعالى: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” , ويقول سبحانه : “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” , فتلك سنة الله في كونه , وفيها وإن ذمة الله واحدة , أي أن هذه الوثيقة ميزان عدل على الجميع وللجميع بالعدل لا تفرقة فيها على أساس الدين أو الجنس أو اللون أو القبلية , وهذا ما فهمه أصحاب سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وطبقوه عدلًا واقعًا في حياتهم , ومن ذلك ما وقع بين ابن سيدنا عمرو بن العاص (رضي الله عنه) وبين غلام قبطي , إذ تسابقا فسبق القبطي ابن عمرو بن العاص (رضي الله عنه) فصفعه , وقال له : أتسبقني وأنا ابن الأكرمين , فذهب القبطي إلى سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فلم يقبل سيدنا عمر بن الخطاب إلا أن يقوم القبطي بصفع ابن سيدنا عمرو بن العاص على النحو الذي صفعه إياه , ثم قال قولته المشهورة التي سجلها التاريخ بحروف من نور : يا عمرو “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا” , فالمواطنة الحقيقية والمساواة في الحقوق والواجبات وعدم التمييز على أساس الدين أو اللون أو الجنس , وإعطاء كل مواطن حقه كاملًا غير منقوص هو سبيل الأمان الاجتماعي , وسبيل القوة للدول , وحق الوطن يتطلب التسامح بين أبنائه , “وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ” , فالتعامل بين أبناء الوطن يكون بالفضل وبالرحمة وبالمودة وبالمعاملة الحسنة , ومن أهم ما يقتضيه حق الوطن التسامح الديني , يقول شوقي مصورًا حالة عظيمة فريدة في المجتمع المصري :
أعهدتنا والقبط إلا أمة
في الله واحدة تروم مراما
نعلي تعاليم المسيح لأجلهم
ويوقرون لأجلنا الإسلام
هذه بيوتكم وتلك بيوتنا
متجاورين مودة ووئاما
هذه قبوركم وتلك قبورنا
متجاورين جماجم وعظاما
فبحرمة الموتى وواجب حقهم
عيشوا كما يقضي الجوار كراما
التسامح بين أبناء الوطن , نحمي معًا وطننا , عندما نحمي معًا مساجدنا ونحمي معًا كنائسنا , فإننا نحمي وطننا , وقد أكدنا أن من مات منا دفاعًا عن الكنيسة كمن مات دفاعًا عن المسجد , لأن الوطن لنا جميعًا وبنا جميعًا , ويطيب لي أن أختم بقول شوقي :
وللأوطان في دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق
وقوله :
لنا وطن بأنفسنا نقيه
وبالدنيا العريقة نفتديه
إذا ما سالت الأرواح فيه
بذلناها كأن لم نعط شيئًا
نقوم على البناية ماحيينا
ونعهد بالتمام إلى بنينا
وفيك نموت مصر كما حيينا
ويبقى وجهك المحمي حيا
اللهم احفظ مصر وأهلها من كل سوء ومكروه , واجعل رزقها ورزق أهلها واسعًا رغدًا في البر والبحر والسهل والجبل يا رب العالمين ، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.