ماذا قلن؟ واعظات الأوقاف في ملتقى الفكر الإسلامي
ماذا قلن؟
واعظات الأوقاف في ملتقى الفكر الإسلامي
الواعظة/ جيهان ياسين يوسف :
نشر الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة يدمر المجتمعات من داخلها
الواعظة/ راوية عبد المنعم محمد خليل :
على الإنسان أن يتخير اللفظ الحسن مع عدم المبالغة والتهويل
في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أذيعت مساء اليوم الجمعة 4 رمضان 1442هـ الموافق 16/ 4 / 2021م الحلقة الرابعة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان: “حفظ اللسان” ، وحاضر فيها كل من: الواعظة/ جيهان ياسين يوسف ، والواعظة/ راوية عبد المنعم محمد خليل ، وقدم للملتقى الإعلامي أ/ عمر حرب المذيع بقناة النيل الثقافية .
وفي كلمتها أكدت الواعظة/ جيهان ياسين يوسف أن ما يخرج من اللسان إما أن يكون سبب سعادة في الدنيا والآخر ، وإما أن يكون سبب شقاء ، فالإنسان بلسانه على خطر عظيم ، فالكلمة الطيبة ترقى بصاحبها إلى الجنة ، والكلمة الخبيثة تهوي بصاحبها إلى النار ، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : “إذا أصْبَح ابن آدَم ، فإن الأعضاء كلَّها تَكْفُرُ اللِّسان ، تقول : اتَّقِ الله فِينَا ، فإنَّما نحن بِك فإن اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وإن اعْوَجَجْت اعْوَجَجْنَا) ، ومن هنا تكمن خطورته ، وفي حديث سيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: قلت: يا نبي الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّك ، وهل يكُبُّ الناسَ في النارِ على وجوههم (أو قال على مَنَاخِرِهم) إلا حَصائدُ ألسنتِهِم؟ فيجب على المرء قبل أن يتكلم أن يتذكر قول الله تعالى : “مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ” ، وعلى الإنسان أن يتفكر في كلامه حتى يسلم هو ويسلم منه غيره ، قال الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) : “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”.
كما نبهت على الحذر من آفات اللسان التي من أبشعها وأفظعها “الكذب” فقد عده النبي (صلى الله عليه وسلم) من أخص صفات المنافق ، حيث قال (صلى الله عليه وسل) : “آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” ؛ لهذا علينا أن نحذر الكذب لأنه صفة تتنافى مع الإيمان ، وقد سئل النبي (صلى الله عليه وسلم) : “أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: نعم، قيل: أيكون بخيلًا؟ قال: نعم، قيل: أيكون كذابًا؟ قال: لا” ، وكذلك من آفات اللسان الغيبة ، يقول تعالى : “وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ”، والغيبة تعني ذكر المسلم أخاه بما يكره ، وكذلك من آفات اللسان : النميمة ، وهي تعني نقل الكلام بين الناس وإفساد العلاقات بينهم ، يقول تعالى: “وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ” ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمُ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ ، الْبَاغُونَ للْبُرَآءِ الْعَنَتَ” ، وكذلك من آفات اللسان : السب والقذف لأعراض الشرفاء ورمي الأبرياء بالباطل ، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنه اللهُ رَدْغَةَ الخَبالِ حتَّى يخرُجَ ممَّا قال” ، ومن آفات اللسان : قول الزور وشهادة الزور ، يقول (صلى الله عليه وسلم) : “مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه” ، والاستهزاء والسخرية يقول تعالى : “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”، ومن أخطر آفات اللسان : نشر الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة التي تدمر المجتمعات من داخلها ، فهي تقوم على الإثارة وتشويه الرموز الوطنية والإنجازات الكبرى ، والتهوين من شأنها ، والتركيز على السخرية والتهكم ، فيجب على الإنسان ألا يتكلم إلا بخير .
وفي كلمتها أكدت الواعظة / راوية عبد المنعم محمد خليل أن من بين النعم التي منّ الله بها على الإنسان : نعمة الكلام ، والحفاظ على هذه النعمة يستوجب تقوى الله في كل ما يتكلم به الإنسان واستشعار مراقبة الله تعالى له ، وهذا يدعونا إلى أن نصمت أكثر مما نتكلم ، ويقول الحكماء : يجب أن يسمع الإنسان أربع أضعاف ما يتكلم ، وبالنظر في أحوال كثير من الناس اليوم نجد أن الكلام صار شهوة مسيطرة، فهو يتكلم بداع وبغير داع، ولقد كان الصحابة مضرب المثل في محاسبة أنفسهم عما يصدر عنهم ، فقد روي أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) دخل على أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) وهو يجبذ لسانه ، فقال له عمر : مه ، غفر الله لك ، فقال أبو بكر : إن هذا أوردني الموارد ، وحين طلب من لقمان أن يذبح شاة ويأتي بأطيب قطعة فيها؟ ذبح الشاة ، وجاء بلسانها وقلبها، ثم طلب منه أن يذبح شاة ويأتي بأخبث شيء فيها؟ فذبح الشاة وجاء بلسانها وقلبها فقيل له : أي لقمان ! طلبت منك أن تأتيني بأطيب قطعة في الشاة فأتيت باللسان والقلب ، ثم طلبت منك مرة أخرى أن تأتي بأخبث قطعة في الشاة فأتيت باللسان والقلب، ماذا تعني بهذا؟ فقال: إن طاب اللسان والقلب فقد طاب كل شيء ، وإن خبثا فقد خبث كل شيء ، وفي الحديث: ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ، والمرء بأصغريه قلبه ولسانه ، ويقول عمر (رضي الله عنه) : من كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه وطالت حسرته أمسك ما بين فكيك وأنفق ما بين يديك “، ولذلك لا يستقيم إنسان حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، يقول (صلى الله عليه وسلم) : “إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالى مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ ، وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم” ، فيجب أن لا نتكلم إلا بخير وإلا فالصمت أولى ، كما بين النبي (صلى الله عليه وسلم) بقوله : “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت” ، فضابط الكلام من حيث النفع والضرر والحاجة إليه وفي الوقت المناسب لذلك ، ولا بد أن يختار اللفظ الحسن للتعبير عما يتكلم به وعدم المبالغة والتهويل في المواقف مدحا كان أو غير ذلك ، وفي الحديثِ يقولُ عُقبةُ بنُ عامرٍ (رضِيَ اللهُ عَنه) : قلتُ يا رسولَ اللهِ ما النَّجاةُ؟ قال: “أمسِكْ عليكَ لسانَكَ ، وليسعْكَ بيتُك ، وابكِ على خطيئتِكَ”.
وفي ختام كلمتها أشارت إلى أن حفظ اللسان عن الفحش من رضوان الله تعالى يضمن دخول الجنة ، يقول (صلى الله عليه وسلم) : (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ) ، فعلينا أن لا نتكلم إلا بخير وأن تكون ألسنتنا رطبة بذكر الله والصلاة على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى نتجنب الفحش والبذاءة من القول.