في ثالث حلقات ملتقى الفكر الإسلامي بعنوان : أخلاق الصيام
في ثالث حلقات ملتقى الفكر الإسلامي
بعنوان : أخلاق الصيام
أ.د / عبد الله النجار :
لا بد أن يكون لأداء الفرائض ثمرة في حسن الخلق
والخلل الأخلاقي يؤدي إلى ضياع ثواب العبادة
د/ على الله الجمال :
الصائم من الفائزين في الدنيا والآخرة
في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، أذيعت مساء اليوم الخميس 3 رمضان 1442هـ الموافق 15 /4 / 2021م الحلقة الثالثة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وجاءت بعنوان: “أخلاق الصائم” ، حاضر فيها كل من : أ.د/ عبد الله النجار الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية ، والدكتور/ على الله الجمال إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها ) بالقاهرة ، وقدم للملتقى الإعلامي أ/ خالد منصور المذيع بقناة النيل الثقافية .
وفي كلمته أكد أ.د/ عبد الله النجار أنه من الطيب أن ترتبط أخلاق الصيام بالشروط التي يحب أن تتوافر لصحة الصيام ، ذلك أنه إذا كان الصيام مطلبا شرعيا يثاب المسلم على فعله ، فيجب أن يكون الصوم محفوفا بالأخلاق الطيبة والسلوك الحميد من الصائم ، وإلا فإنه إذا أتى بالعبادة من وجه ، ثم قرنها بفعل معصية من وجه آخر فإنه لن يكون أفلح في أداء مهمته ، أو أدى العبادة على الوجه المطلوب ، ويكون مثله مثل من يبني ، ثم يهدم ما بناه ، وهذا تصرف لا يفعله عاقل ، ولذلك نرى أن هناك ارتباط أخلاق بين العبادات والأخلاق.
مشيرًا إلى أن الأدلة تتوافر على وجوب التمسك بالأخلاق الطيبة والسلوك الحميد للصائم، وعليه أن يسمو بتصرفه وبأخلاقه ، فلا يجوز له أن يصخب أو أن يجهل أو يسب أحدًا مستغلا ما يحدثه الصوم من ضيق عندما يُحرم من الطعام والشراب ، ولذا يجب عليه أن يحافظ على لسانه عن العيب والتلفظ بما يغضب الله سبحانه ، بل حتى وإن وقع عليه اعتداء من غيره ، بل يجب عليه أن يكون صبورًا ، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : “إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ” ، والناظر إلى هذا الربط الأخلاقي بين العبادة والأخلاق ، يجد أن هناك تلازمًا بين حسن الخلق وأداء الفريضة ، وأن الخلل الأخلاقي يؤدي إلى ضياع هذه الفريضة ، أو على الأقل ضياع ثوابها ، فتأكل الحسناتِ السيئاتُ ، وهذا نوع من السفه ، لافتا إلى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حذر من مغبة التفريط في الجانب الأخلاقي ، والإتيان الظاهري للعبادات ، فيقول (صلى الله عليه وسلم) : “رُبَّ صائمٍ ليس له مِن صِيامِه إلَّا الجوعُ” ، فالصائم يحرم نفسه من الطعام والشراب ، لكن هذا ليس هو المقصود بذاته ، ولكن المقصود هو الوصول إلى الكمال الأخلاقي ، مشيرًا سيادته إلى أنه إذا كان الصائم يتعفف عن بعض الحلال ، فعليه أن يتجنب التبذير والإسراف عند الإفطار ، لأن هذا يؤثر بالسلب على الجانب الاقتصادي ليس على الفرد فقط ، بل على الاقتصاد العام للمجتمع ، وعلى هذا يجب على الصائم أن ينتبه إلى هذا الجانب لأن التبذير والإسراف محرم ، قال تعالى : “إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ”، ويقول سبحانه : “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” ، فلا يعقل أن يحرم الإنسان من الطعام والشراب طيلة اليوم ، ثم يرتكب الإسراف ، فيكون قد أطاع الله في جانب ، ثم عصاه في جانب آخر ، فيكون مفلسًا ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : “أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ ، فقالَ : إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ ، وصِيامٍ ، وزَكاةٍ ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا ، وقَذَفَ هذا ، وأَكَلَ مالَ هذا ، وسَفَكَ دَمَ هذا ، وضَرَبَ هذا ، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ ، وهذا مِن حَسَناتِهِ ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه ، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ”.
وفي بداية كلمته أشار الدكتور/ على الله الجمال إلى أن هناك جملة من العادات والثقافات التي يجب أن تتغير عند الصائم في شهر رمضان ، ومنها : الإسراف في الطعام والشراب في هذا الشهر الكريم ؛ لأنه إذا لم يقم بتعديل سلوكه في ذلك فقد نسي أهم ما يميز هذا الشهر على نفوس الصائمين بعد التقوى ، وهو كبح جماح النفس وشهواتها في الإسراف والإنفاق ؛ لذلك قال العارفون : من أسرف في الحلال يوشك أن يقع في الحرام ، فترك الإسراف في الحلال يجعل بينك وبين الحرام مسافات كبيرة .
ثم بين فضيلته أن الصائم يُعد من الفائزين في الدنيا والآخرة ، حيث قال رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” ، وقال في حديث آخر : “مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” ، وقد رتب ربنا المغفرة على الالتزام خلال شهر رمضان ، ثم قيام هذا الشهر وبخاصة ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر .
كما بين أيضًا أن الصائم يبلغ درجة عالية في العقل والتعقل ؛ لأنه يغتنم الفرصة التي منحها الله له خلال شهر رمضان ، لذلك عبر ربنا بقوله: “أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” ؛ لأن هذا الشهر وما به من نفخات ربانية سرعان ما ينقضي وينتهي بسرعة فائقة ، وفي ذلك يقول ابن مسعود (رضي الله عنه) : (ما ندمتُ على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي)، ثم بين فضيلته أن الصائم حاله الوقار والسكينة والطمأنينة ، والارتباط بكتاب الله (عز وجل) ، فالإمام مالك (رحمه الله) كان إذا دخل رمضان اعتزل الفتوى ودراسة الحديث ونادى في الناس قائلا : هذا شهر القرآن هذا شهر القرآن .
لذلك كان على الصائم التحلي بالأخلاق الفاضلة التي يجسدها القرآن الكريم ففي قول السيدة عائشة (رضي الله عنها ) في أخلاق رسولنا الكريم : “كان قرآناً يمشي على الأرض”، والمعنى : كان تطبيقاً كاملاً للمنهج الذي جاء به من الحق تبارك وتعالى ، ومن هنا يصل إلى درجة السلام النفسي الذي يجعله مؤتمنًا على كل شيء ؛ لأن الصيام يحقق السلام المجتمعي والأمن النفسي بين الإنسان وخالقه ، ثم بينه وبين نفسه وبين الناس .
وفي ختام كلمته بين أنه على الإنسان أن يغتنم هذه الفرصة العظيمة التي منحه الله إياها في هذا الشهر ؛ لأنه من أصعب الأمور أن يضيع المرء ما يعطيه الله له من مغانم وفرص تكون في أيام معدودة في العام كله .