أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
يقولون : ما أتى على أصله لايسأل عن علته , وما خرج عن الأصل هو ما يسأل فيه عن العلة , فالأصل في العلاقات بين مصر وأشقائها من الدول العربية هي علاقة الوحدة والتكامل , والتضامن والتعاون , والتنسيق المستمر , فمصر في أمتها العربية هي بمثابة القلب النابض , وإذا كان هذا التعاون مطلوبًا على كل حال وفي جميع الأوقات فإنه في هذه المرحلة يعد أمرًا حتميًا لا محيص عنه نظرًا للمصير المشترك الذي يجمع بيننا جميعًا , فعوامل الدين , واللغة , والتاريخ , والجغرافيا , والمصالح المشتركة , ومواجهة المخاطر والتحديات , تحتم التكامل بل وحدة الصف دون أي تردد أو تأخر , وكل يوم نتأخره في ذلك نخسر جميعًا , يقول الحق سبحانه : ” وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ” ( آل عمران : 103) , ويقول سبحانه : ” وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ “(الأنفال: 46) ” , ويقول سبحانه : ” وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” (آل عمران : 105) .
ويقول شوقي :
نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا |
وَلَكِـــن كُلُّنـا فـي الهَــمِّ شَرقُ |
وَيَجمَعُنـــا إِذا اختَلَفَـــت بِلادٌ |
بَيـــانٌ غَيــرُ مُختَلِــفٍ وَنُطـــقُ |
وعلى أرض الواقع نرى الإحساس بضرورة هذه الوحدة بفرض نفسه على جميع دول المنطقة , وربما لعقود عدة لم نلمس هذه الروح بتلك القوة , ربما لأننا أمة تتوحد عند الخطر , فهي أمة قد تمرض ولكنها لا تموت , وقديمًا قلت لو أن أعداءنا استخدموا كل إمكاناتهم العسكرية والمخابراتية والمؤامراتية وسائر أسلحتهم من ذرّية ونووية وكيميائية وتقليدية وإرهابية وضربوا أمتنا ضربة رجل واحد لخرج من تحت أنقاضها من يقاومهم ويضع مضاجعهم , فأي صراع مهما كانت ضراوته لن يصل أبدًا إلى إبادة هذه الأمة أو القضاء عليها , ولا بديل عن التواصل والحوار الحضاري على أسس الاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب .
على أنني أؤكد أننا إن أوتينا – لا قدر الله – إنما نؤتى من قبل تفرقنا وتشرذمنا واختلافنا , فقد ذكر بعض المفسرين ورواة الحديث والأثر أنه لما نزل قول الله تعالي : “قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ” (الأنفال : 65) , قال النبي صلى الله عليه وسلم : “سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً ” .
وفي هذا ما يؤكد أن أهم سبب من أسباب ضعف هذة الأمة هو تفرقها واختلافها , وهو ما حذر منه النبي (صلى الله عليه وسلم) حين قال في خطبة الوداع الجامعة : ” لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ” (متفق عليه) .
إن هذة اللحمة العربية التي بدأت تتبلور بالعلاقة المتميزة التي تعي معنى المصير المشترك بين مصر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان مع دول عربية أخرى لهي خطوة كبيرة يمكن البناء عليها لوضع أسس الوحدة والتكامل والتنسيق والتعاون سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وفكريًا , على أن مجرد هذه الوحدة في حد ذاتها ستكون أحد أهم عوامل الردع للطامعين في خيرات منطقتنا ومن يعملون منهم على تفتيت وتمزيق كيانها وبنيانها وتهديد أمنها واستقرارها , كما أن هذه الوحدة ستكون منطلقًا للتنمية الشاملة لكل دول المنطقة بما يعود بالنفع على أبنائها جميعًا , ويحقق لهم متضامين مجتمعين مزيدًا من النهضة والرقي , بما يرضى الله (عز وجل) ، ويحقق مصالح البلاد والعباد , ويرضي الصديق ويغيظ العدا , ويرد كيد المتربصين بالأمة في نحورهم .
ولا يجب أن يقف الأمر عند جهود الرؤساء المحترمين جميعًا , إنما ينبغي على سائر الأجهزة التنفيذية سرعة التحرك الثنائي والجماعي لتحقيق رغبة القيادة السياسية في كل دولة بوضع أُطُر عملية سريعة وقابلة للتطبيق كل في مجاله وميدانه في ضوء الأهداف الكبرى التي تسعى إلى تحقيق الوحدة المنشودة , ولا سيما في مجالات التكامل الاقتصادي , ومواجهة الإرهاب الذي يهدد الجميع دون تفرقة , لأن هذا الإرهاب الأسود الغاشم الموجه ما لم يواجه باصطفاف عربي ووطني سريع فإن عواقبه ستكون وخيمة , على أن الوقت لا يحتمل أى لون من ألوان التراخي , فلننطلق متوكلين على الله (عز وجل) في كل ما يخدم ديننا وأمتنا وأوطاننا جميعًا على أساس من الوحدة والفهم الحقيقي لمعنى المصير المشترك .