*:*الأخبارمقالات

المرأة بين الإسلام والإرهاب

Mokhtar

أ.د/ محمد مختار جمعة

وزير الأوقاف    

      لقد كرم الإسلام المرأة أمًا ، وأختًا ، وبنتًا ، وزوجة ، ومشاركة في الحياة وبناء الأوطان ، فأوصى بها في كل الأحوال ، فالأم محل الإكرام والتقدير ، وعندما جاء رجل يسأل النبي (صلى الله عليه وسلم) مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : «أُمُّكَ» ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : «أَبُوكَ» ” [متفق عليه ] ، ويقول (صلى الله عليه وسلم ) : “مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ” [أحمد ، أبو داود]، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ” [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ] ، ويقول(صلى الله عليه وسلم) : ‏” اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ : الْمَرْأَةِ وَالْيَتِيمِ ” [رواه النسائي ، وابن ماجه] ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَإِذَا شَهِدَ أَمْرًا فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا… ” [رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ] . ويقول الحق سبحانه في كتابه العزيز :”وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ  ” ( لقمان :14) .

     فقد حفظ الإسلام للمرأة كرامتها ، وعرف التاريخ الإسلامي لها مكانتها  وقدرها ،والأمثلة كثيرة عن أمهات العلماء اللواتي كان لهن دور كبير في دفع أبنائهم إلى مجالس العلم ، وملازمة كبار العلماء ، كأم ربيعة الرأي (رضي الله عنهما )، وأم الإمام مالك بن أنس (رضي الله عنهما ) ، وأم الإمام الشافعي(رضي الله عنهما )  فقد ربته يتيمًا ، وتعهدته بالتربية والرعاية الخاصة ليكون عالما ، فأرسلته إلى مكة وكانت تسكن بغزة ، ليتعلم الفصاحة والعلم ، ومنها لازم الإمام مالك (رضي الله عنه ) ثم رحل إلى بغداد وغيرها ، حتى صار الفقيه العالم الأديب  .

      وقد أسهمت المرأة في بناء الحضارة الإسلامية إسهامًا  كبيرًا من خلال أدوارها المختلفة ، فكان لها دورها  في بناء المجتمع بكل جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية ، فهي حاضنة الأجيال ومنشئة الأبطال ، وعلى قدر صلاحها تصلح المجتمعات ، فهي التي تحافظ علي الأسرة وتحميها من الفرقة والشتات ، وهي العنصر الأساسي لبنائها وتشكيلها ، تربي وتعلم، وتلقّن المبادئ لطفلها الذي يكبر ويتطور في سائر الأيام, حتى يصبح عالمًا أو مفكرًا أو مبدعًا  ، فإذا قامت الأم بدورها التربوي أنشأت جيلا صالحًا مُصلحًا ، وصدق  حافظ إبراهيم  حيث يقول :

الأم مدرسة إذا أعددتها                      أعددت شعبًا طيب الأعراق

      ومن ثمة فإن المسئولية على المرأة نفسها كبيرة  ، سواء أكان ذلك لحق تصحيح صورة الإسلام بل صورة الأديان التي لا يقبل أي دين منها تلك الممارسات الإرهابية المتطرفة من أعمال القتل والتخريب ، وسفك الدماء ، وترويع الآمنين ، بما لا يفرق بين رجل وامرأة ، أو شاب وشيخ ، أم كان ذلك دفاعًا عن الأوطان التي تسلب وتنهب وتغتصب ، وبخاصة في منطقتنا العربية التي تعمد القوى الاستعمارية الحديثة إلى دك بنيانها والاستيلاء على خيراتها ومقدراتها من جديد ، أم كان ذلك دفاعًا عن حق المرأة  نفسها في الحياة الكريمة ، والعمل على وقف ما تتعرض له من مهانات على يد تلك الجماعات الإرهابية المتاجرة بالدين ، فالإرهابيون يجعلون من المرأة مسخًا ووسيلة للتلهي وإغراء الشباب ، والعودة إلى نظام العبودية والرق الذي عمل الإسلام بكل السبل على الخلاص منهما .

     على أن الإرهابيين يتخذون من التكفير وإخراج الناس من الإسلام وسيلة لسفك دماء الرجال لاستحلال أعراضهم وأموالهم ، وهذا ما نهى القرآن الكريم عنه في قوله تعالى : ” وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ” [النساء: 94] ، مع ملاحظة أن هذه الآية جاءت تالية لقوله تعالى : “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ” [النساء : 93] ،وهو ما يقوم به الإرهابيون .

       يضاف إلى انتهاك حقوق المرأة  ما تلقاه المرأة على أيدي الإرهابيين المتطرفين من عنت وإهانة وإساءة وتهجير وإفزاع وترويع والمتاجرة بعرضها وكرامتها ، أو تعمد التحرش بها  كلونٍ من تصفية الحسابات السياسية أو إظهار الحكومة على أنها مقصرة في حقها غير قادرة على حمايتها في أسلوب يعبر عن منتهى الخسة والدناءة ، كما أنه لا مانع لدى هؤلاء المجرمين من المتاجرة بالمرأة كوسيلة لإغراء الشباب وجذبهم إلى الإرهاب بما يقدّمون له من شهوات وملذات ، بما يخالف كل الأديان السماوية والأعراف الإنسانية السوية للتأكيد على الوعيد الشديد على كل هذه الأعمال الإجرامية من التكفير والقتل واستحلال الدماء والأعراض والأموال .

اظهر المزيد

منشور حديثّا

زر الذهاب إلى الأعلى