أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
لا شك أن مصر تمتلك من مقومات النجاح ، وعوامل النهضة والرقي ، ما لا تملكه الكثير من الدول ، وأن إمكانية هذا النجاح قائمة بقوة ، وأكثر من أي وقت مضى ، فمصر تملك حضارة عريقة عمرها أكثر من سبعة آلاف عام ، لا تتوفر إلا لدول معدودة ومحدودة ، فأهرامها ، ومتاحفها ، وآثارها العظيمة، شاهد عيان على أن العقلية المصرية كانت قادرة على إبداع حضارة تاريخية منقطعة النظير ، أبهرت وما زالت تبهر العالم كله .
وهي شامخة بمآذنها ، ومساجدها ، وكنائسها ، ووحدتها الوطنية الفريدة التي تعبر عن سماحة أهلها وطيب أخلاقهم ، تلك الوحدة التي تجسدت عمليًا في اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد ، والتي جمعت بين الأزهر والكنيسة في مظلة واحدة هي بيت العائلة ، التي جعلت قيادة الكنيسة تعبر في وطنية عظيمة بأن المسيحيين بخير مادام الأزهر بخير ، وما دامت مصر بخير ، ووقف رجالها سدًا حصينًا في أي محاولة للاختراق ، أو للتدخل الأجنبي تحت ذرائع معروفة ومكشوفة لقوى الاستعمار .
مصر بخير ما دام أزهرها بخير في ظل حفاوة وتقدير بالغ ما زال يلقاه علماء الأزهر أينما توجهوا ، وهو ما يمكن أن يكون دعماً كبيراً لقوة مصر الناعمة وسياستها الخارجية .
وهو ما يلقي في الوقت نفسه بتبعة كبيرة على رجال الأزهر في أن يكونوا على مستوى التحديات ، وليس ذلك بعسير في ظل القيادة الحكيمة لفضيلة الإمام الأكبر أ . د أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف .
مصر غنية بموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية التي لم تُكتشف بعد، سواء فيما يعرف بالمثلث الذهبي (القصير ـ سفاجا ـ قفط) أم بمشروع قناة السويس بأبعاده التنموية الشاملة، أم بتنمية الساحل الشمالي، أم باستغلال الموارد الطبيعية في سيناء، وأخصها الرمال ذات الطبيعة الخاصة، والسياحة : الدينية، والعلاجية، والصحراوية، والترفيهية.
مصر غنية بعقول علمائها المشهود لهم بالسبق والتفوق في أفضل جامعات العالم ومعاهده العلمية والبحثية.
مصر غنية بقيمها الحضارية والأخلاقية والإنسانية، ومروءة أبنائها وشهامتهم، وصبرهم وجلدهم وكفاحهم، وقوة تحملهم، وقدرتهم على مواجهة الصعاب والتحديات، فهي غنية برجالها ونسائها، وشيوخها وشبابها، ومفكريها، ومثقفيها، وإعلامييها، وصناعها، وعُمَّالها، لا ينقصها فكر ولا عقل، ولا سواعد قادرة على حمل الوطن والتقدم به إلى مصاف الأمم الراقية.
مصر غنية بسماحتها ووسطيتها وقدرتها على نفي الخبث عنها، وقد استقت هذه الوسطية من حضارتين عظيمتين، أولاهما: الحضارة الإسلامية السمحة التي لا تقر التشدد ولا التطرف ولا الغلو، ولا العنت، فهي قائمة على اليسر ورفع الحرج؛ حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: ” يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” (البقرة :184) ويقول سبحانه: ” وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ” (الحج : 77)، وحيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إن الدين يسر، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه” ( أخرجه البخاري)، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا” (متفق عليه).
والسماحة الأخرى استمدتها من الحضارة المصرية القديمة والحديثة معا ، فالشخصية المصرية لم تعرف عبر عصور تاريخها الممتد والعريق بالغلو أو التشدد أو التجاوز أو الاعتداء على الآخرين ، ومن مزيج هاتين الحضارتين العظيمتين أنتجت الحضارة المصرية حضارة خاصة ذات طبيعة خاصة تكاد تكون فريدة فى يسرها وسماحتها ، وهى فى حالة نقاء وإفراز دائم ونفى مستمر لكل ألوان التشدد والغلو ، فهى بطبيعتها وتكوينها لا تقبلهما ولا يمكنها التعايش مع أى منهما ، فهما بالنسبة لها كالجسم الغريب ، أو العضو المزروع قسراً فى جسد لا يمكن أن يتقبله .
وهناك نعمة كبرى حباها بها رب البلاد والعباد وهى نعمة الطبيعة الخلابة الرقراقة الصافية ، ففى الوقت الذى تنحت فيه بعض البلاد والحضارات الصخر فى ظل أجواء إما مشمسة محرقة ، وإما بارده قاسية أو جليدية يظل الثلج يغطيها كاملة لأسابيع أو شهور ، مما يتطلب جهدا غير طبيعى وعملا غير تقليدى للتغلب على تلك الأجواء ، حبا الله مصر بطبيعة سمحة سهلة تتلاقى مع أخلاق وطبائع سكانها السمحة السهلة ، فلا هى مفرطة فى صقيع شتائها ولا فى حر صيفها إذا ما قسنا ذلك ببلد قد تتجاوز درجة البرودة في شتائه أربعين درجة تحت الصفر ، وتتجاوز درجة حرارته صيفاً أربعين فوق الصفر ، أو ببلاد أخرى تتجاوز درجة حرارتها الخمسين درجة مئوية صيفاً ، مما يجعل ظروف العمل والإنتاج قاسية وتكلفة التدفئة أو التبريد أعلى بكثير.
كما رزقنا الله في هذه المرحلة بقيادات سياسية وطنية تعى مسئوليتها جيدا ، وتحمل هَمَّ وطنها، وتسهر على نهضته ورقيه، ولم يبق لنا حتى نحقق النجاح سوى أمرين :
أولهما وأهمهما: معية الله تعالى وتوفيقه وعونه وتأييده وعملنا على مرضاته في كل خطواتنا وتصرفاتنا، والأمر الآخر هو مدى اصطفافنا الوطنى فى مواجهة الإرهاب ودحره من جهة ، وأخذنا بأسباب التقدم العلمي نحو مزيد من العمل والإنتاج من جهة أخرى.