مقال لمعالي وزير الأوقاف بعنوان : الآيات الكونية
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
يقول الحق سبحانه في كتابه العزيز : ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ” .
والقرآن الكريم عامر بالآيات الكونية الدالة على عظمة الخالق سبحانه وبيان مظاهر قدرته ، سواء في خلق الكون أم في خلق الإنسان .
ففي خلق الكون يقول الحق سبحانه : ” خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ” ، ويقول سبحانه : ” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ” .
ولما نزل قوله تعالى : ” إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ” قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ” ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمّلها ” .
وفي مجال خلق الإنسان يقول سبحانه : ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ” .
ولما سئل أحد الأعراب عن وجود الله (عز وجل) قال : الأثر يدل على المسير ، والبَعْرَة تدل على البعير، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ٌ ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا يدل ذلك على السميع البصير؟!.
وهذا قس بن ساعدة الأيادي يخطب في قومه خطبة رائعة مؤثرة قبل الإسلام ، فلما قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَقَالَ : ” أَيُّكُمْ يَعْرِفُ الْقُسَّ بْنَ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيَّ؟” قَالُوا : كُلُّنَا يَا رَسُولَ الله يَعْرِفُهُ ، قَالَ : “فَمَا فَعَلَ؟” قَالُوا: هَلَكَ، قَالَ: “مَا أَنْسَاهُ بِعُكَاظٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ ويقول: إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَـرًا ، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَـرًا ، مِهَادٌ مَوْضُوعٌ ، وَسَقْفٌ مَرْفُوعٌ ، وَنُجُومٌ تَمُورُ ، وَبِحَارٌ لَا تَغُورُ ، أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا حَقًّا لَئِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ رِضًا لَيَكُونَنَّ بَعْدَهُ سَخَطٌ ، إِنَّ لله لَدِينًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ دِينِكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ ، مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ وَلَا يَرْجِعُونَ؟ أَرَضُوا فَأَقَامُوا ، أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟ “.
وخطب المأمون الحارثي خطبة قبل الإسلام قال فيها : إن فيما نرى لمعتبـرًا لمن اعتبر ، أرضٌ موضوعة ، وسماء مرفوعة ، وشمس تطلع وتغرب ، ونجوم تسري فتعزب ، وقمر تطْلعه النحور ، وتمحقه أدبار الشهور ، ومطر يرسل بقدر؛ فيحيي البشر، ويورق الشجر ، ويطلع الثمر، وينبت الزهر ، وماء ينفجر من الصخر الأير (الصلب) ، فــيَصْدَعُ المَـدَر عنْ أفنان ِ الخُضَر ، فيُحيي الأنامَ ، ويُشبعُ السَّـوَّامَ ، ويُــنـْــمِـي الأنعامَ ، إن في ذلك لأوضح الدلائل على المدبر البارئ المصور .
فما أحوجنا إلى التأمل والتدبر في خلق الله (عز وجل) وفي آثار ومظاهر قدرته في الكون ، وفي خلق الإنسان .