أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الاوقاف
الدعم في أساسه لون من التكافل الاجتماعي يهدف إلى حماية الطبقات الأكثر فقرًا والأشد احتياجًا ، والعدالة ليست مجرد شعارات ترفع ، ولا خطب رنانة أو أقوال مأثورة ، إنما هي سلوك وتطبيق ، ويأتي في مقدمة أنواعها العدالة الاجتماعية بكل ما تعنيه من تكافل وتراحم .
إن العدالة تقتضي أن نقف بالمرصاد لكل معتد على المال العام الذي هو ملك للمواطنين جميعًا ، وأن نتصدى لمن يريد أن يثرى بالباطل ولو على حساب المسحوقين المحرومين ، وأن نقف وقفة رجل واحد في وجه طغيان من عدموا الحس الإنساني في محاولاتهم لتحقيق ثراء عاجل فاحش ولو دهسوا بأقدامهم مئات وآلاف البشر ، ونبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به”.
وسنظل نطالب ونؤكد على أهمية دعم الطبقات الكادحة والفقيرة ، والأشد احتياجًا والأكثر فقرًا ، سواء أكان دعمًا مباشرًا عينيًا كالتموين والطاقة المدعمة ، أم نقديًا كمعاش التضامن الاجتماعي وما في حكمه من مساعدات للفقراء ، أم كان غير مباشر كخدمات الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي والطرق ونحو ذلك .
على أن هذا الدعم مال عام من جهة ، وحق للفقراء والمحتاجين دون سواهم من جهة أخرى ، فله حرمات متعددة ، فمن أخذه بدون حق فقد أكل مال الله بالباطل ، ونبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ” .
ولأكل الدعم بدون حق الذي هو أكل لمال الله بالباطل صور متعددة ، منها : الاحتيال في الحصول على بطاقات تموينية مِن قِبل مَن لا يستحق أو سعي بعضهم للاحتفاظ ببطاقة لا يستحقها ، فإذا كانت وزارة التموين قد حددت حدًا أقصى قدره (1500) جنيه للحصول على بطاقة تموينية ، فإن من يسعى إلى المخادعة بالحصول على إفادة براتبه الأساسي دون الشامل حتى يحصل على هذه البطاقة من أصحاب الرواتب العليا إنما يأكل سحتًا وحرامًا ، ويمكن لوزارة التموين استبعاد كل الشرائح التي لا تنطبق عليه الشروط أو إعادة تجديد البطاقات مع التدقيق في المستندات بحيث يصل الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين ، لأن من يأخذ ما لا يستحق يضيع الحق على المستحق الحقيقي ، وهي بالفعل تعمل على ذلك وتعدّ له بطريقة تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين دون مساس بأي من هؤلاء المستحقين .
علمًا بأن بعض الوطنيين المحترمين من غير المستحقين قد أعادوا بطاقاتهم إلى بعض مديريات التموين ، وهي مبادرات تستحق التشجيع والتحية والتقدير .
وفي قضية السماد وعدم وصوله إلى مستحقيه من الفلاحين الحقيقيين ، فإننا نؤكد أن السيد المهندس/ إبراهيم محلب رئيس الوزراء قد وجه باتخاذ إجراءات قانونية حاسمة ورادعة تجاه كل مهرب أو محتال أو معطل أو معتد على المال العام أو مضيع للدعم على مستحقيه ، غير أننا لا نعمل على الجانب القانوني وحده ، وإنما نعمل على إحياء الضمائر والحس الإنساني ، فربما كان من الصعب أو المستبعد أو المستحيل أن نخصص لكل إنسان شرطيًا أو جنديًا يحرسه أو مراقبًا يراقبه ، ولكن من السهل أن نربي في كل إنسان ضميرًا حيًا ينبض بالحق ويدفع إليه رقبناه أو لم نراقبه ، لأنه يراقب من لا تأخذه سنة ولا نوم .
وهناك ما يتصل بالضمان الاجتماعي وإعانات من لا يعملون من أصحاب الظروف الخاصة أو الحالات المرضية ، فإن بعض هؤلاء قد يتسلم عملا جيدًا ومع ذلك لا يتقدم للتنازل عما يأخذه من دعم ، حتى يذهب الدعم إلى المستحق الحقيقي ومن هو في مثل حاله قبل أن ينعم الله عليه بالعمل الذي يسد حاجته ، وليرجع كل واحد من هؤلاء إلى الخلف قليلا ، وليفكر في شعوره لو وجد من يجمع بين العمل والإعانة وهو لا يجد لا عملا ولا مساعدة ، كيف ينظر إلى أمثال هؤلاء ؟ ، وكذلك من يتقاضون مساعدة لا يستحقونها ، ومن يحتالون على تقاضيها بدون حق من غير أصحاب الحاجات .
ومن ذلك أيضًا من يعتدون على أملاك الدولة أو يحتالون في الحصول على بعض الأراضي بحجة الاستصلاح الزراعي ويحولونها إلى منتجعات سكنية دون أن يفوا بالتزاماتهم تجاه الدولة ، أو من كانوا يحصلون على الأراضي بأقل من سعرها الحقيقي ويتهربون ما أمكنهم من سداد القيمة العادلة ، وكل من يعتدي على المال العام أو أملاك الدولة إنما يأكل ما ليس له بحق ، ومثله سواء بسواء من يسهل هذا الاعتداء ، لأن ذلك كله يسهم في عدم تحقيق العدالة الاجتماعية وعدم وصول الدعم إلى مستحقيه .
ومن ثمة فإن على كل وطني مخلص ، وكل متدين حقًا ، أن يساعد على استعادة أملاك الدولة ، وإعادة هيكلة الدعم بما يضمن وصوله إلى مستحقيه ، ورفعه عن غير المستحقين ، حتى تعتدل الكفة ويستقيم الميزان ، ونحقق العدالة الاجتماعية الحقيقية التي نسعى إليها جميعًا .