خلال ندوة للرأي بقناة النيل الثقافية بعنوان : “الزيادة السكانية وأثرها على الفرد والمجتمع”
د/ أشرف فهمي:
الزيادة السكانية أعظم تحد تواجهه الدول النامية
دورات تنظيم الأسرة التي تقوم بها وزارة الأوقاف تشكل وعيًا وثقافةً سكانية رشيدة
د/ محمد طه رمضان:
الشريعة الإسلامية وضعت حلولًا لتنظيم الأسرة
واليد العليا التي تمتلك المال والقدرة خير من اليد التي تمتد وتطلب لتأخذ
في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به وزارة الأوقاف ، والمشاركات التثقيفية والتنويرية لقضايا الدين والمجتمع التي تسهم في بناء الإنسان ، وفي إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري ، عقدت وزارة الأوقاف مساء الثلاثاء 19 / 1 / 2021 م ندوة للرأي تحت عنوان: “الزيادة السكانية وأثرها على الفرد والمجتمع” بمبنى الإذاعة والتليفزيون ، تحدث فيها الدكتور/ أشرف فهمي موسى مدير عام التدريب, و الدكتور/ محمد طه رمضان إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة(رضي الله عنها) , وأدار الندوة وقدم لها الإعلامي أ/ عمر حرب.
وفي بداية كلمته أكد د/ أشرف فهمي أن الزيادة السكانية تعد أعظم تحد تواجهه الدول النامية , وأن حديث سيدنا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : ” تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة ” ليس معناه الكثرة التي يفهما البعض فهما خاطئا , وإنما يقصد النبي (صلى الله عليه وسلم) الكثرة القوية الخالية من الضعف والوهن ، مؤكدًا أن تنظيم النسل هو ترتيب الإنجاب بين الأولاد , وأن العلماء أجازوا تنظيم النسل استنادًا إلى الشرع الحنيف , فكان الصحابة الكرام (رضوان الله عليهم) يعزلون , وهو الوسيلة التي كانوا يعرفونها آنذاك , ويقابلها الوسائل المتاحة في عصرنا الحاضر , فعَنْ سيدنا جَابِرٍ بن عبد الله (رضي الله عنهما) قَالَ : ”كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ ” , كما بين أن تنظيم النسل يفهم من حديث سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ” يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ” , فليس المراد من الاستطاعة القدرة على نفقات الزواج وفقط , ولكن المراد القدرة على الإنفاق على الأولاد في حالة إنجابهم , فإذا كانت الاستطاعة شرط للزواج , فمن باب أولى أن تكون شرطًا في حالة إنجاب الأولاد , حتى لا يدخل من لا يستطيع القدرة على الإنفاق على الأولاد تحت قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” كفى بالمرء إِثما أن يُضَيِّع مَن يقوتُ” , وفي رواية “من يعول”.
موضحا أن الأسرة هي التي تحدد الطريق التي تختاره لأبنائها , فإما أن تضع حدًا للزيادة السكانية بتنظيم النسل ومن ثم يحصل الأبناء على تعليم وصحة وعناية ورعاية طبية ومسكن ومأوى جيد وملائم للأسرة , وإما أن تهمل في هذا التنظيم فيحصل التآكل لموارد الدولة , وتسبب الزيادة السكانية في ظل محدودية الموارد تعليمًا وصحةً ورعاية غير جيدة , مشيرًا إلى أن الأسرة التي عددها أقل ؛ تأخذ نصيبًا وحظًا أوفر من الأسرة التي يكثر عددها , فلو كانت الزيادة السنوية تبلغ حوالي (2,5) مليون نسمة لأصبحت الزيادة في حاجة لمدارس جديدة ومستشفيات جديدة , مما يؤدي إلى عدم التناسب المتوازن بين عدد السكان وموارد الدولة الحالية , فتنعكس النتائج بالسلب على الأسرة والمجتمع ويزداد حجم البطالة التي ينتج من خلالها التطرف والانحلال الأخلاقي المجتمعي.
مختتمًا فضيلته بأن الأسرة في حاجة إلى زيادة من الوعي بالثقافة السكانية الرشيدة من واقع مسئوليتها أمام المجتمع , يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” , موجهًا الشكر لوزارة الأوقاف في قيامها بدورات لتنظيم الأسرة بجميع محافظات مصر لتشكل وعيًا عند الناس ,كما تشكل ثقافةً سكانيةً رشيدة تواجه بها خطر التحدي الذي ينتج من خلال الزيادة السكانية.
وفي كلمته أكد د/ محمد طه رمضان أن الكثرة في عدد السكان غير مطلوبة , وهناك بعض المتطرفين والمتشددين الذين يريدون منا عدم الحديث في هذه الأمور بحجة أننا نقيد المباح ونحرم الحلال , ويكفي بالرد عليهم بأن كلمة الكثرة هل هي محمودة أم أنها مذمومة؟ فلو نظرنا إلى القرآن الكريم لوجدنا أن لفظ الكثرة في الغالب الأعم جاء مذمومًا , يقول تعالى : ” وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” , ” وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ” , ” وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا” , وغيرها الكثير من الآيات التي تدل على أن الكثرة ليست محمودة , ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ” , وعلى المقابل من هذا , فهناك القلة المحمودة , يقول تعالى : ” كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ” , ويقول تعالى : ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ” , فهناك قلة أعظم وأنفع من الكثرة بشرط أن تتوافر في القلة مقومات الأخلاق والقوة والعمل والإنتاج , إذا تحقق ذلك فلا شك في أن تكون هذه القلة أنفع من الكثرة التي لا فائدة منها , وهذه القلة هي التي تستحق التباهي والفخر , كما جاءت الشريعة الإسلامية توضح أن اليد العليا التي تمتلك المال والقدرة خير من اليد التي تمتد وتطلب لتأخذ , يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف” , ويقول أيضًا : ” اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وابْدَأْ بمَن تَعُولُ، وخَيْرُ الصَّدَقَةِ عن ظَهْرِ غِنًى، ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ” , كما حث الإسلام أن يترك المتوفى ورثته أغنياء لا يحتاجون لأحد فعن سيدنا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال : جَاءَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُنِي مِن وجَعٍ اشْتَدَّ بي زَمَنَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقُلتُ: بَلَغَ بي ما تَرَى، وأَنَا ذُو مَالٍ، ولَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي، أفَأَتَصَدَّقُ بثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لا قُلتُ: بالشَّطْرِ؟ قَالَ: لا قُلتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: الثُّلُثُ كَثِيرٌ، أنْ تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ” , ولا يتحقق ذلك إلا من خلال التنظيم الجيد للأسرة.
مبينا أن تنظيم الأسرة لا يتنافى مع الكثرة المنصوص عليها في الحديث الشريف : ” تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة” , لأن الكثرة ربما تكون قد تحققت بالفعل ولا ينبغي التمسك بها , وإنما كان ذلك مطلوبًا في فترة بعينها , فعدد المسلمين اليوم أصبح كثيرًا.
واختتم فضيلته بأن الشريعة الإسلامية وضعت حلولًا لتنظيم الأسرة منها : التباعد بين الحمل والآخر بفترة الرضاع المنصوص عليها في القرآن الكريم ” وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ” , ومنها حسن اختيار الزوجين , سواء حسن اختيار الزوج للزوجة , كما في قوله (صلى الله عليه وسلم) : ” تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك” , أم حسن اختيار الزوجة للزوج كما في قوله (صلى الله عليه وسلم) : ” إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ”.