خلال برنامج ندوة للرأي بقناة النيل الثقافية بعنوان: “خطورة الإلحاد الموجه على أمن المجتمع”
أ.د/ بكر زكي عوض :
العلم النافع سبيل الهداية والرشاد
د/ عيد علي خليفة :
الحكمة والموعظة الحسنة سبيل الدعوة إلى الله تعالى
في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به وزارة الأوقاف ، والمشاركات التثقيفية والتنويرية لقضايا الدين والمجتمع التي تسهم في بناء الإنسان ، وفي إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري ، وبرعاية كريمة من معالي أ.د / محمد مختار جمعة وزير الأوقاف عقدت وزارة الأوقاف الأربعاء 6/ 1/ 2021م ندوة للرأي تحت عنوان : “خطورة الإلحاد الموجه على أمن المجتمع” بمبنى الإذاعة والتليفزيون ، تحدث فيها : أ.د/ بكر زكي عوض العميد الأسبق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف، والدكتور/ عيد خليفة مدير الدعوة بمديرية أوقاف القاهرة ، وأدار الندوة وقدم لها الإعلامي أ/ عمرو أحمد .
وفي كلمته أوضح أ.د/ بكر زكي عوض أن الإلحاد يراد به أمران لُغوي : وهو العدول عن الشيء المستقيم إلى شيء معوج ، وهذا يكون بصرف المعنى الظاهر للآيات القرآنية إلى مفاهيم أخرى ، إما باللغو أو الإنكار وإما بالنفي أو الادعاء بأن هذا ليس من الوحي الإلهي لا من قريب ولا من بعيد ، أما المعنى الاصطلاحي للإلحاد : فهو إنكار وجود الله ، وهذا أخص التعاريف وأشهرها ، ويترتب على هذا الإنكار لله (عز وجل) إنكار النبوات والكتب السماوية واليوم الآخر بما فيه من بعث وحساب وجزاء ، وأزمة الملحد في أنه يرى أن هناك شخصًا يؤمن بأن الله موجود ، وبإيمانه هذا حل له مشكلة البدء والنهاية ، ورسم له السبيل فيما بينهما ، والملحد يرى في هذا قيدًا وتضييقًا عليه لأنه يريد أن يحيا بحرية مطلقة ، بلا قيد من دين أو تعاليم تفرض عليه التزامًا ونمطًا مُعينًا يسير عليه في حياته ، ويفسر الظواهر الكونية على أنها ذات صبغة علمية لا علاقة لها بإله أو خالق ، على الرغم من أن العلم إما أن يكون سبيلًا للهداية كما قال تعالى: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ” ، أو الغواية وفي ذلك يقول تعالى: “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ”، فالملحد قد وظَّف العلم وجعله سبيلًا للغواية ، اعتمادًا على نظريات إلحادية تخدم وجهة النظر المادية.
كما أشار سيادته إلى أن من الأمور التي أفضت إلى الإلحاد في مجتمعاتنا استهداف الطاقة الإيمانية في المجتمعات العربية والإسلامية ؛ لما للدين من قوة في النفوس ، وهؤلاء يبذلون كل جهد ممكن في إنشاء جماعات أو جمعيات أو أحزاب إلحادية لإضعاف القوة الإيمانية.
وأما عن التدين الشكلي فأشار سيادته إلى أنه عبارة عن تجارة بالدين ، فأصحابه يتعاملون مع الدين لا لله ، وإنما لتحقيق مآرب ومكاسب شخصية أو حزبية ، داعيًا سيادته إلى أخذ سلوكياتنا الدينية من أفواه أهل الاختصاص لا ممن يتاجرون باسم الدين ، وأن يتحمل كلٌّ مسئوليته تجاه تربية النشء على الأخلاق الإسلامية الحميدة انطلاقًا من حديث سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”.
وفي كلمته أشار د/ عيد خليفة إلى أن هناك من الأسباب ما دفع إلى انتشار ظاهرة الإلحاد ، حيث صور البعض الدينَ على أنه قد ضيق على الناس حياتهم وتصرفاتهم ، وأن التدين عندهم مرادف للتشدد والجمود ، بدعوى أن الدين يناقض العلم والتطور، وعدم القدرة على مواكبة العصر وما طرأ عليه من مستجدات ومتغيرات حديثة.
كما أكد أن هناك ثلاثة أنواع من التدين: التدين المتشدد ، والتدين الشكلي ، والتدين السياسي ، أما التدين المتشدد فهو ما ينفِّر من الدين ، مستدلًا بما قاله سفيان الثوري (رحمه الله تعالى) : ” إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة ، وأما التشديد فيحسنه كل أحد” ، كما أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نصٌ بالتحريم ، مصداقًا لقول الله (عز وجل): “وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ” ، وأن المحرمات بالنسبة للحلال مستثناة ومنصوص عليها ، ومن هنا صور المنفرون الدينَ للناس من خلال آرائهم المتشددة على أنه قيد التف حول أعناقهم ، وقد ظهرت بوادر لهذا التشدد في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) حيث جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) يسألون عن عبادة النبي (صلى الله عليه وسلم) فلما أُخبِروا بها كأنهم تقالُّوها، فقالوا: أين نحن من النبي (صلى الله عليه وسلم) ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا ، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفطر ، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا ، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: “أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”.
كما أشار إلى أن التدين الشكلي هو تدين الإنسان في مظهره تاركًا الصدق في مخبره ، مُخالفًا في تصرفاته وسلوكياته أوامر الدين ، وهو ما يُنفِّر الناس من الدين ، أما التدين السياسي فهو استخدام الدين بغية الوصول لأهداف ومكاسب سياسية، كما فعلت بعض الجماعات التي تدعي التدين.
وأوضح أن الدعوة الصحيحة تعتمد على الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى الله تعالى، كما أنها تعتمد على الإقناع العقلي والتأثير الوجداني ، مشيرًا إلى أنَّ غلامًا شابًّا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقال : يا نبيَّ اللهِ أتأذنُ لي في الزنا ؟ فصاح الناسُ به , فقال النبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم) قَرِّبوهُ , ادْنُ فدنا حتى جلس بين يديْهِ , فقال النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ : أتحبُّه لأُمِّكَ فقال : لا , جعلني اللهُ فداك , قال : كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لِأمَّهاتِهم , أتحبُّه لابنتِك ؟ قال : لا ، جعلني اللهُ فداك قال : “كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لبناتِهم , أتحبُّه لأختِك ؟ وزاد ابنُ عوفٍ حتى ذكر العمَّةَ والخالةَ , وهو يقولُ في كلِّ واحدٍ لا , جعلني اللهُ فداك , وهو صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقولُ كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه” فوضع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يدَه على صدرِه وقال : “اللهمَّ طهِّرْ قلبَه واغفر ذنبَه وحصِّنْ فَرْجَه” ، فلم يكن شيءٌ أبغضَ إليه منه ، مشيرًا إلى أننا نحتاج إلى خطاب ديني يربط بين العلم والدين ، مع التركيز على الأدلة المادية على وجود الله (عز وجل) وإعجازه في خلقه .