أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
ظاهرة الصعلكة التي تعادل البلطجة والفتونة والعربدة سواء أكانت فردية أم جماعية أم دولية لم تنشأ يومًا في الهواء الطلق دون أسباب أو مقدمات ، ففي القديم والحديث كتب كثير من الكتاب والمؤرخين والأدباء عن هذه الظواهر ، سواء أكانت كتابة مؤرخة أم راصدة أم محللة أم معالجة ، ويكفي أن نطالع بعض أعمال الأستاذ نجيب محفوظ الروائية لنقف على رصد وتحليل واف لكثير من مظاهر البلطجة والفتونة والعربدة في العصر الحديث .
وعندما يتحدث المؤرخون والكتاب عن ظاهرة الصعلكة في العصر الجاهلي فإنهم يقسمون الصعاليك في الغالب إلى ثلاثة أقسام :
أ – الناقمون على النظام الاجتماعي الطبقي : من أمثال عروة بن الورد ورفاقه الذين كانوا يهدفون من وراء صعلكتهم إلى السطو على أموال الأثرياء البخلاء ليعطوا الفقراء المحرومين.
وفي هذا الصنف يبرز أثر الحرمان والتهميش ، فللجوع عضة ومرارة لا تنسى ، والفقر داء قتال تنسحب أوجاعه على حياة المرء كلها ، وكان الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري يقول : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : لو كان الفقر رجلا لقتلته ، ويقول أيضًا كاد الفقر أن يكون كفرًا، وأنا أعكس المقولة فأقول كاد الكفر أن يكون فقرًا ، وقد استعاذ نبينا (صلى الله عليه وسلم) من الفقر ومن الدين ومن كل ما يحمل الإنسان ذلا وضعفًا وهوانًا .
وعلاج ذلك لا يتحقق إلا بالسعي في اتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية وإصلاح حال البشر ، وهذا حافظ إبراهيم يطالب بالقضاء على الفقر كأحد أهم عوامل الإصلاح فيقول :
أيها المصلحون أصلحتم الأرض وبتــم عـن النفــوس نيامـــا
أصلحوا أنفسا أضر بهـا الفقـــر وأحيـــــا بموتهــــــا الآثامــا
ب -الفريق الثاني من الصعاليك هم المطاريد وأصحاب السوابق والجنايات ممن كثر أذاهم وشرهم ، بحيث لم تستطع قبائلهم أن تتحمل جرمهم وجناياتهم ، فلفظتهم وخلعتهم ، فاحترفوا الصعلكة وقطع الطرق ، وهذه قضية تحتاج إلى إمعان النظر في مناهج التنشئة ، ووسائل التربية والتعليم ، والمنظومة الثقافية بكل أبعادها الأدبية والفنية والإعلامية .
الفريق الثالث : من كانوا يشعرون بعقدة النقص ، أو كان المجتمع يرميهم أو يشعرهم بها ، كأبناء الحبشيات المعروفين بأغربة العرب ، أوالمغموزين في نسبهم ، أو من كانوا يشعرون بخسة فيه ، أو من لحقتهم ذلة أو معرة جعلتهم ينفرون من المجتمع إلى مجتمع آخر .
ولو أننا طبقنا الإسلام تطبيقًا صحيحًا لاقتلعنا هذا السبب من جذوره ، فقد سوي الإسلام بين الناس جميعًا ، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ، فمن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ، وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : والله لئن جاءت الأعاجم بالأعمال وجئنا بلا عمل لهم أولى بمحمد (صلى الله عليه وسلم) منا يوم القيامة ، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” إِنَّ اللَّه لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ و لا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ ” (متفق عليه) ، أما بلطجة العجم وبلطجة الدول فيمثلها في القديم جحافل التتار وفي الحديث جحافل عديدة .
غير أن السؤال الذي يثير الدهشة والاستغراب هو : من جمع صعاليك العجم إلى صعاليك العرب ؟ وما الذي ألف بينهم ؟ وما الأهداف المشتركة التي يمكن أن تجعل من هذه الأخلاط والأمشاج نسيجًا واحدًا متجانسًا ولو في الظاهر ؟
ومن الأسئلة التي تطرح نفسها علي السياسيين والمحللين معًا : من المستفيدون من وراء هذه الظاهرة ؟ ومن يشتري نفط داعش المسروق أو المغتصب ؟ ومن يمولها ؟ ومن يمدها بالسلاح والعتاد ؟ وهل هناك جدية حقيقية في مقاومة هذه الصعلكة الحديثة ؟
لا شك أن زمن الإجابة عن هذه الأسئلة سيكون لصالح تلك الجماعات الإرهابية المتطرفة ، وصالح من يدعمها ويقف وراءها ، وإذا كان أجدادنا يقولون : ليست النائحة كالثكلى ، وشاعرنا يقول :
ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك
وبما أن الأمر لا يحتمل كثيرًا من الدراسات والبحوث ولا الوقت ، لأن الوقت يقطع من لم يقطعه ، فإن دول المنطقة قبل غيرها ينبغي أن تأخذ زمام المبادرة اليوم قبل الغد ، لأن الأمن القومي العربي في خطر .
وإني لأؤمل في التعاون الجاد المشترك بين جميع دول المنطقة وفي مقدمتها جمهورية مصر العربية في ظل القيادة الحكيمة للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي وبسالة قواتنا المسلحة والتفاف الشعب حول قيادته ، والمملكة العربية السعودية في ظل قائد عربي حكيم هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود ، ودولة الإمارات العربية المتحدة في ظل قيادة رشيدة ورثت الحكمة والولاء لأمتها العربية عن حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله .
كما أننا نؤمل أيضًا في دول عربية شقيقة أخرى أن يكون إسهامها في ذلك جادًا ومباشرًا على قدر التحديات التي تواجه الجميع ، حتى نخلص المنطقة كلها والعالم أجمع من شر تلك الجماعات الإرهابية الغاشمة .