وزير الأوقاف: الحفاظ على لغتنا حفاظ على هويتنا نص كلمة وزير الأوقاف باحتفال كلية الدراسات العربية والإسلامية بنات بالإسكندرية باليوم العالمي للغة العربية
يسرنا أن ننشر نص كلمة معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف باحتفال كلية الدراسات العربية والإسلامية بنات بالإسكندرية باليوم العالمي للغة العربية ، والتي ألقاها نيابة عنه د/ عبد الرحمن نصار وكيل مديرية أوقاف الإسكندرية اليوم الأحد 20/ 12/ 2020م ، والتي جاء فيها:
“يكفي اللغة العربية شرفًا أنها لغة القرآن الكريم حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ” (الشعراء : 192-194)، ولا شك أنه لا يمكن أن نفهم ديننا فهمًا صحيحًا ، ولا أن نستقي أحكامه من كتاب ربنا (عز وجل ) وسنة نبينا (صلى الله عليه وسلم ) إلا بفهم لغتنا العربية التي نزل بها القرآن الكريم فهما دقيقا ، وهو ما اشترطه العلماء في المجتهد ، وكان أحد العلماء السابقين يقول : إن فهم الكتاب والسنة فرض واجب ، ولا يتم إلا بتعلم اللغة العربية ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وكان سيدنا عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) يقول : ” تعلموا العربية فإنها من دينكم ” ، ومر على قوم يتعلمون الرمي فيخطئون ، فلامهم على ذلك ، فقالوا : ” إنا قوم متعلمين ” بنصب ما حقه الرفع ، فقال ( رضي الله عنه ) : ” لخطؤكم في لسانكم أشد عليّ من خطئكم في رميكم ” .
ولا شك أن الحفاظ على لغتنا هو حفاظ على هويتنا العربية الإسلامية ، يقول الحق سبحانه في شأن القرآن الكريم ولغته : ” وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ” ( الزخرف : 44 ) وسوف تسألون عن هذه النعمة ، حيث أعلى القرآن الكريم من شأن العرب ومن شأن لغتهم ، وجعلها لغة ذات دين سماوي ، حيث أسهم القرآن الكريم والعناية به إسهامًا كبيرًا في الحفاظ على اللغة العربية حيث كانت المعجزة الكبرى لرسولنا ( صلى الله عليه وسلم ) هي القرآن الكريم ببيانه وأسراره اللغوية والبيانية ، فقد كان لكل نبي منهج ومعجزة غير المنهج ، فمعجزة سيدنا موسى ( عليه السلام ) كانت في اليد والعصا ، ومنهجه كان في التوراة والصحف ، ومعجزة سيدنا عيسى ( عليه السلام ) كانت في إبراء الأكمه والأبرص والأعمى وإحياء الموتى بإذن الله ( عز وجل ) ، ومنهجه كان في الإنجيل الذي أنزل عليه ، أما سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فكانت معجزته الكبرى هي عين منهجه ، فمعجزته الكبرى هي القرآن الكريم ، وركائز منهج الإسلام في القرآن الكريم نفسه ، ذلك أن المناهج السابقة كانت موجهة إلى أهلها في عصورهم فارتبطت المعجزة بالمنهج ، من رآها آمن بها ، ومن لم يرها فهو غير مطالب بها ، بخلاف منهج الإسلام ومعجزته فهما لكل زمان ومكان ، فاقتضت حكمة الله ( عز وجل ) أن تكون المعجزة باقية ببقاء المنهج ، وكأن الحق ( عز وجل ) يقول لبني البشر جميعا هذا رسولنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وهذا منهجه وهذه معجزته مرتبطة بالمنهج وباقية ببقائه ليكون ذلك حجة على بني البشر جميعا إلى أن يرث الله ( عز وجل ) الأرض ومن عليها ، وصدق الحق ( سبحانه وتعالى ) إذ يقول في محكم التنزيل : ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” ( الحجر : 9) .
ومن ثمة كان لزامًا علينا فهم أسرار لغة القرآن الذي تحدى الله – عز وجل – العرب على أن يأتوا بعشر سورمن مثله فعجزوا حيث يقول سبحانه : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)) بل تحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا حيث يقول سبحانه : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24))
ولله در حافظ إبراهيم حيث يقول في قصيدته الرائعة اللغة العربية تتحدث عن نفسها :
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظًا وغــــــــــاية ً
وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظــــــــــاتِ
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلـة ٍ
وتَنْسِيقِ أسمــــاءٍ لمُـخْترَعــــــــــــاتِ
أنا البــحر في أحشـــائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
حفظ الله مصر ، حفظ الله اللغة العربية”
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته