قصيدة الدكتور ناصر الزهراني مؤسس مشروع ” السلام عليك أيها النبي” التي ألقاها في قاعة الأزهر للمؤتمرات بالقاهرة بمناسبة منح الدكتوراه الفخرية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ” حفظه الله ” تحت عنوان : “دكتوراة في الحب والوفاء ” تُعد ملحمة رائعة تجسد تصويريًا لامتزاج العروبة بالإسلام ، كما تُمثل أنموذجًا تطبيقيًا للفكر المستنير الداعي بقوة لوحدة الصف العربي ، وروح التكامل والتكافل والتعاون بين الدول العربية ، وعلى رأسها الشقيقتان الكبيرتان جمهورية مصر العربية بأزهرها الشريف ، والمملكة العربية السعودية بحرميها الشريفين وأمكانها المقدسة ، التي دغدغ الشاعر الزهراني بذكرها مشاعرنا من خلال قصيدته الرائعة .
وإن من أهم ما لفت نظري في القصيدة ما يأتي :
1 – أن الإلقاء دغدغ عواطفنا بطريقته المؤثرة التي اعتمدت مستويات الإيقاع الصوتي ارتفاعًا وانخفاضًا وتوزيعًا ، واختيار بعض الجمل والعبارات المعبرة المؤثرة ، من نحو : “مصر العروبة عزنا وفخرنا ” ، ” مصر الكنانة أم كل فضيلة ” ، ” تحية … مزينة بعطر حراء ” ، ” وعبير زمزم ، والمقام وطيبةً” ، “بلد النبي المصطفى وقباء ” ، ” من دولة الحرمين “، “بلدان عملاقان” ، “يا أزهر التاريخ” “يا قلعة الإسلام ” وقوله في مخاطبة مصر : “يا مصر إني عاشق متودد”.
2 – نبذ العنف والدعوة المستنيرة للتسامح من مثل قوله :
إن النبــــي إلـى البريـــة رحمــــة |
وشريعة البـــاري فيـــوض هنـــاءِ |
الديــن إحســـان وصـــدق مـــودة |
وأمــــــان أرواح ونهــــــرُ نقـــــــاءِ |
والعنـــفُ والإرهـــابُ داءٌ فاتـــكٌ |
ولباسُ خــوفٍ مرعــــبٍ وشقـــــاءِ |
بُعثَ النبيُ متممًـــا مثـــُلَ الرضـــا |
والطيبــــاتِ بملــــــةِ الحنفــــــــــاءِ |
أتباعـــه من كــان يحمــــل سمتـــه |
فـي الصـدق والإخـــلاص والآراءِ |
تحيـــا به الأرواحُ تطــرب سلـــوةً |
لــربيـــع أخــلاقٍ وعطـــرِ حيــــــاءِ |
كــالغيــث صفـــوا كانجـــوم تألقـــا |
كـالبـــدر للسارين فـــي الظلمـــاءِ |
يا مصر يا نـبـض الحنـــان وياشــــذا |
خلـــق التسامح ياشــــذا الكرمــاءِ |
3 – الدعوة إلى وحدة الصف من منطلق عربي إسلامي ورؤية ثاقبة ، والتعويل على قيادة مصر والسعودية للأمة العربية ، حيث يقول:
إن اتحـــاد الصـــف يثمــــر قــــوة |
وحضــارة وخطـى إلـــى العليــــاءِ |
والمؤمنون كمثل جسم إن شكـى |
عضـو تداعـــى سائــــر الأعضـــــــاءِ |
يبقــــى فــؤاد الأم رحبـــا حانيـــا |
مهما رأى مــــن جفــــوة الأبنــــاءِ |
والعفـو من شيــم الكـــرام وإنمـــا |
رحمـــات رب الكـــون للرحمــــاءِ |
يـــا مصـــر إنـــي عاشـــق متــــودد |
وهواك يسري كالشـذا بدمـــائـــيِ |
وحيث يقول :
بلـدان عملاقـــان حيــن تصــــدرا |
للمجـــــد نلنـــــا عيشـــة السعــــداءِ |
4 – تقديره للأزهر الشريف وإمامه الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر ، حيث يقول :
يـا أزهـــر التاريـــخ قــدرك سامــق |
وسلاف نهجـــك مـــؤْذنٌ بشفـــــاءِ |
مضت القرون وأنــت ظـــل وارف |
تزكو النفــوس بعلمـــك الوضـــاءِ |
سمـت وحســـن سياســـة شرعيـــــة |
تــــزن الأمـــور بحكمــــة وذكـــــاءِ |
سطـــرت للدنيـــا روائع لـــم تــزل |
أنوارهـــــا تسمـــو بحســــن ضيـــاءِ |
واليـــوم أنـــت منـــارة بشموخهـــا |
ورسوخها تزهـــو علـــى الجـــوزاءِ |
هذا الإمام الطيب السمح ارتقى |
بتعقــــــــل وتعفــــــــــــف وصفـــــــاءِ |
ومضـــى يسطــــر للـرقـــي مآثــــرا |
بصمـــــــوده وبفـكــــــره البنـــــــــاء |
5 – ولاؤه لملكه خادم الحرمين الشريفين وتقديره له ، حيث يقول :
يا خادم الحرميــن نلـــت شهـــادة |
مـن قلعــــة فـــي العلــــم والإفتـــاءِ |
هي رمــز إجــلال ومهـــر محبــــة |
وعبيـــــر شكـــــــر مفعــــــم بثنـــــــاءِ |
ياخادم الحرميـــن ألـــف تحيـــة |
ممزوجـــــــة بمحبـــــــــةٍ ودعـــــــاءِ |
بوركت يافيض المــودة والرضـــا |
والخيــــــــــــر والإحســــــان والآلاءِ |
ملــــك حبــــاه الله صدق توجـــه |
وتعلـــــــق بمكــــــــارم الأشيـــــــــاءِ |
مثـل لعشــــاق الســـــلام وحامــــــل |
لكرامــــة الإنســــان خيــــر لـــــــواءِ |
فيــض من الخلق الكريـــم وقصـــة |
مــــن شيمـــــة ومـــــروءة وإبــــــــاءِ |
6 – حسن تصرفه فيما يعرف بشعر المناسبات ، فمع أن القصيدة مرتبطة بمناسبة خاصة فإن الدكتور ناصر الزهراني بحسه المرهف قد أضفى عليها ظلالا عامة خرجت بها من حيز الخاص إلى نطاق العام ، والأدب يعلو أثره بمقدار ما يصور من تجارب عامة ، قابلة للإسقاط على أزمنة عديدة و طويلة ، كتلك الأبيات التي تناول فيها الحديث عن مكانة مصر وأزهرها الشريف ودورها الريادي في العلم والمعرفة ، أو الدعوة إلي وحدة الصف ، وإلى قيم التسامح ، ونبذ كل ألوان العنف ، وإبراز منهج الإسلام في ذلك.
وأخيرًا نؤكد أن هذا التواصل الفكري والثقافي يمكن أن يكون أحد العوامل التي تسهم في وحدة الأمة ، ووقوفها صفًا واحدًا في وجه الإرهاب والتحديات التي تواجهها .