أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
إنني لأسمع صوت جرس الإنذار الأخطر في عصرنا الحديث ، إذ نعيش مرحلة هي الأكثر خطورة وتحديًا ، فالأخطار محدقة ، والمطامع كبيرة ، وقوى الشر تظن أن الفرصة قد صارت مواتية للانقضاض على ما تبقى متماسكًا من أمتنا التي أصاب بعض دولها التفكك والضياع ، وللأسف استطاعت تلك القوى الطامعة في خيرات منطقتنا ، الرامية إلى تفكيكها ، لا بنيّة الإصلاح ، ولا بنيّة إعادة البناء ، وإنما هو تفكيك لا بناء بعده ، فكما ذكر السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية أن الدولة التي تقع في منطقتنا لن تقوم مرة أخرى ، وأن الإرهاب قد تجاوز إحداث مشاكل للدول إلى تهديد كيانها ووجودها ، وها هو الواقع يصدق ذلك في كل من : سوريا ، وليبيا ، والعراق ، والصومال ، وأفغانستان ، وتلك القلاقل التي يثيرها الشيعة باليمن والبحرين وغيرهما .
أما المخاطر التي تهدد أمتنا ودول المنطقة فعديدة ، يأتي على رأسها وفي مقدمتها أطماع القوى الصهيونية والاستعمارية ، ثم العملاء والخونة ، والمستخدمون من بني جلدتنا .
وإنني أحذر من ثلاثة أخطار محددة أراها الأكثر خطرًا ، وهي :
1- تحالف الجماعات الإرهابية والتكفيرية من : داعش ، والقاعدة ، وأعداء الشريعة ، وأعداء بيت المقدس ، والأب الروحي الداعم لكل هؤلاء ، وهو التظيم الدولي للإخوان ، بما يتبعه من فروع وجماعات وجمعيات ، على رأسها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي طالبنا مرارًا بحل فروعه في جميع الدول العربية والإسلامية التي تتبنى السماحة والوسطية والاعتدال .
2- المد السياسي الشيعي ، وبخاصة أن دولة إيران وبعض القوى والتكتلات السياسية الشيعية ، تريد أن تبني لها أذرعًا سياسية وعسكرية قوية داخل الدول السُنّية لتعزيز نفوذها في المنطقة ، ويلقى ذلك هوى كبيرًا لدى بعض القوى العالمية والصهيونية التي تهدف إلى تفتيت دول المنطقة بشتى السبل ، ومن أهمها إذكاء الصراعات المذهبية ، ولعل دعم إيران غير المحدود للحوثيين في اليمن ، وللشيعة في البحرين ، وفي لبنان ، وفي العراق ، والمحاولات المتكررة لاختراق بلد الأزهر الشريف السُنّي المذهب ، تُنبئ بخطر داهم ، ويمكن أن تصل إلى صراع مسلح ما لم ننتبه وبيقظة شديدة لخطورة تفسخ المجتمع مذهبيًا ، فمعظم النار من مستصغر الشرر .
3- الخطر الثالث : يتمثل في الجماعات السلفية المتشددة كالسلفية الجهادية وما تفرع منها من جماعات تسلك مسلك التكفير ، الذي كثيرًا ما يتطور إلى مسلك الإرهاب والتفجير ، والتي خرجت بمفهوم السلف من حدود الاتباع إلى دائرة الجمود ، ومحاولات فرض رؤى في الفروع ناسبت زمانها ومكانها وعصرها على جميع العصور والبيئات والحالات دون أدنى إعمال للعقل أو تفهم للمستجدات وما تقتضيه قواعد الفتوى ، ما يتطلب من أي حزب أو جماعة أو جمعية أن تعلن بوضوح عن مبادئها الفكرية والعقدية بما يزيل أي لبس ، حيث يرى الناس أنفسهم في حيرة شديدة من كثرة الأسماء والمسميات والتفريعات ، مع إصرار كل فرقة أو جماعة على أنها الناجية وأن غيرها على خطأ إن لم يكن من وجهة نظرها في النار .
وقد أخذنا على عاتقنا في الأزهر الشريف تشكيل مجموعات بحثية متخصصة لبيان مكمن الداء ، وآليات المعالجة والدواء ، والوقوف على المنطقة الوسط البعيدة كل البعد عن الإفراط أو التفريط دون إقصاء مسبق أو لاحق ، وإنما من خلال حوار فكري عصري ومجتمعي هادئ هادف ، نؤمل أن يخرج بالمجتمع من حالات الشتات والتفكك والصراع ، إلى حالة اللحمة الوطنية ، وإعلاء مصلحة الدين والوطن على أي مصالح حزبية أو فئوية أو شخصية ، لأن المرحلة لا تحتمل سوى إعلاء المصالح العليا للدين والوطن ، في ضوء فقه المقاصد والمتاح والأولويات .
وأرى أن الأزهر الشريف في ظل القيادة الحكيمة لفضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر هو المؤهل والأكثر قدرة على قيادة الحركة الفكرية الإسلامية الصحيحة الوسطية السمحة في العالم كله ، مع إلقاء ذلك بظلاله على المسيرة الفكرية العالمية من خلال تبني منهج حوار الأديان والحضارات في ضوء الاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب .
أما الخطر الداهم على المجتمع الدولي والدول الداعمة للإرهاب أيًا كان مستوى دعمها ، فإننا نحذر من تكرار مآسٍ عالمية كالحادي عشر من سبتمبر وغيره من تفجير الطائرات واختطافها ، وتفجير المناطق الحيوية والاقتصادية في كثير من الدول التي ترعى الإرهاب ، ذلك الوجه الكالح الذي يمكن أن ينقض عليها في أي لحظة ، فقد أكدنا ومازلنا نؤكد أن الإرهاب يأكل من يدعمه ، وأنه لا دين له ، ولا وطن له ، ولا لغة له ، ولا عهد له ، ولا أمان له .
فقد صار تدفق الشباب الأوروبي للقتال في صفوف الجماعات المتطرفة أكبر خطر يمكن أن يهدد العالم الغربي عامة والأوروبي خاصة ما لم يتنبهوا قبل فوات الآوان لمخاطر إيواء الإرهابيين ، وبخاصة ما يُعرف بقيادات وكوادر التنظيم الدولي للإخوان .