للمرة الثانية يكتب الإعلامي الكبير الأستاذ جلاء جاب الله رئيس مجلس إدارة دار التحرير ورئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة عقيدتي عن المؤتمر الدولي الرابع والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية .
وإذ نقدر له اهتمامه ورؤيته الفكرية الثاقبة يسرنا أن ننشر مقاله الجديد على موقعنا هذا تحت عنوان ” عظمة الإسلام وأخطاء المسلمين 2 ” ، والذي جاء فيه :
** هذه القضية التي اختارها الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف عنوانا رئيسياً لمؤتمر المجلس الأعلي للشئون الإسلامية.. قضية حاضر وماض ومستقبل.. قضية حياة للمسلمين فالإسلام بعظمته وقوته ملأ العالم خيرا وسلاما ومحبة وحضارة.. والمسلمون أو بالأدق بعض المسلمين بأخطائهم وخطاياهم نسبوا للإسلام زورا أوصافا ونعوتا ما نزل بها وما جاء بها من عند الله سبحانه.
** يتضمن المؤتمر أربعة محاور.. الأول هو أصل الداء ومكمن الخلل.. وهذا المحور طبقاً لرؤية الورقة الأولي التمهيدية ينقسم إلي قسمين الأول هو صورة المسلمين في العالم والثاني سر الانفصال بين عظمة الاسلام وسلوك المسلمين.. والقسمان يربطهما عامل مشترك هو سلوكيات المسلم.
** والمسلم الفرد هو واجهة المسلمين والمجتمع المسلم.. وعندما يكون الإنسان المسلم متميزا متفوقا معطاء.. يتفوق المجتمع المسلم ويقدم الوجه الحضاري الحقيقي لعظمة الإسلام والعكس صحيح. فعندما يعاني المسلمون من الفقر والجهل والمرض.. ويكون الفرد المسلم يائسا فقيرا مريضاً جاهلا.. فإن ذلك يكون واجهة للمجتمع المسلم ويكون الإنسان المسلم واجهة عكسية مخالفة تماما لعظمة الاسلام.
هنا يثور السؤال: ولماذا يكون الانسان المسلم جيدا أو سيئا؟
الإجابة هنا تكون بعيدة عن عظمة الاسلام بل مرتبطة بالحياة وقوانينها.. فلو أتينا بمسلم عابد يتقي الله يعمل الخير لكنه لا يجيد السباحة وقذفنا به في البحر مع كافر يجيد السباحة.. فمن ينجو منهما طبقا لقواعد الحياة وقوانين الطبيعة؟
لاشك ان الكافر المجيد للسباحة هو الناجي طبقا لرؤية الحياة وقوانينها..إلا اذا حدثت معجزة أو كرامة ونجا المسلم المتقي لأمر لا يعلمه إلا الله منظم الكون ومسبب الأسباب.
** هل هناك من هو أتقي وأقرب إلي الله من سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم؟
فلماذا انهزم المسلمون في غزوة أحد وفيهم رسول الله.. يقودهم.. كما قادهم للنصر في غزوة بدر فنصرهم الله وهم الفئة القليلة؟
** لقد نصر الله المسلمين في بدر عندما أخذوا بكل أسباب الفوز فأعانهم الله وانهزموا في أحد لأنهم عصوا أمر الرسول وتخلوا عن أحد عناصر الفوز عندما ترك الرماة أماكنهم فكان الدرس الإلهي لينكشف المنافقون ويكون الدرس القوي لبدء بناء حضارة الاسلام..!!
العلم والمعرفة والجهد والتخطيط والمتابعة كلها عناصر أساسية في العمل طبقاً للرؤية الاسلامية لكننا نتجاهلها فنخسر.
وهذا هو ما حدث بعد ان كانت الدنيا كلها قد دانت للمسلمين وينظر الخليفة المسلم للسحابة المحملة بالمطر ويقول لها: “امطري اني شئت فسيأتيني خراجك”.. فقد ملك المسلمون العالم كله..!! لماذا؟ لأنهم أخذوا بالأسباب بعد تقوي الله.. واتقوا الله في كل عمل يعملونه.. فكان علي أفضل وجه يتحقق الفوز والانتصار وعندما تمسك المسلمون بالقشور.. وتجاهلوا الحقائق.. وتجاهلوا أسباب الفوز كالعلم والعمل والتخطيط والمتابعة.. دانت لغيرهم السيطرة وانحسروا هم!!
ومن يلاحظ عصور الحضارة والانتصار والقوة للمسلمين سيجدها عصور قوة فكرية وعلمية وعسكرية واقتصادية وبرز خلالها أفضل العلماء والفقهاء والمفسرين الذين قدموا للعلوم الدينية أفضل اجتهاد..!!
ومن يلاحظ فترات الانحطاط والانحسار والضعف سيجدها ضعفا في كل شيء حتي في العلوم الدينية وكل السلوكيات الإنسانية..!!
** في إحدي الغزوات حاصر المسلمون أعداءهم في حصن منيع.. وحاولوا مرارا وتكرارا اقتحام الحصن لكن كل المحاولات باءت بالفشل.. فالعدو محصن ومنيع والحصن قوي..!
جلس المسلمون يتساءلون: لماذا لم ينصرنا الله ونحن بهذه القوة؟ قالوا: لعلنا لم ننفذ أوامره.. وبحثوا عن سنة لم يؤدوها وعندما أقول سنة من السنن فهذا يعني ان الفرائض كانت تؤدي كاملة بلا نقصان حتي انهم لم يسألوا أنفسهم عن الفرائض بل توجهوا إلي السنن.. وهنا اكتشفوا ان الحرب شغلتهم عن سنة السواك فتسلقوا الأشجار وقطعوا فروعها ليجعلوا منها “مسواك” يؤدون به هذه السنة فلما رآهم العدو علي هذه الحالة قالوا ان المسلمين “يسنون أسنانهم” ليأكلونا ورمي الله في قلوبهم الخوف والرهبة من المسلمين فاستسلموا بعد طول انتظار!!!
** سلوكيات المسلم هي المقياس إذا كانت متصلة أو منفصلة بعظمة الاسلام وبين القيم والأخلاق “انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” عليك صلاة الله وسلامه يا من قال عنك الله “وإنك لعلي خلق عظيم”.
** فلنبدأ بمكارم الأخلاق لتغيير سلوك المسلم إلي الأفضل وساعتها سنحدد الداء والدواء.. ونعود لأصول حضارتنا التي غابت!!!
** السلوك المسلم قد يكون نابعا عن فكر وقد يكون نابعا عن تصرف عفوي.. والسلوك الأخطر هو ما يكون نابعا عن فكر ضال مضل وهي أخطر الأزمات التي تواجه المجتمع المسلم عندما يتكلم أحد باسم الاسلام ويدعي ان ما يقوله هو الاسلام الصحيح.. بل ويقنع المسلمين الذين يبحثون في الاسلام عن ضالتهم ويعانون من الحياة ومصاعبها فيصدقون كل ما يقال لهم باسم الدين بحثا عن النجاة.. فتلك هي أخطر الأزمات!!
** السلوك النابع عن فكر ضال مضل هو الأخطر لأننا هنا لا نوجه سلوكا أن نحاول تغييره إلي الأفضل.. بل معركتنا الأساسية مع أهل الفكر الضال.. والجماعات التي تسعي لمكاسب باسم الدين وتلك أقل خطرا من الجماعات التي تسعي باسم الدين وهي تعتقد انها علي صواب قناعة تامة.. وهي في حقيقة أمرها ضالة مضلة.. فهمت النصوص بطريقة خطأ فوقعت في الضلال.. يتمسكون بالسنة.. ويتركون بعض السنن ويتناسون بعض الفروض وتلك هي الأزمة.. لأن أخطر الأمراض الفكرية أن نتمسك ببعض ونترك البعض فالإسلام كل لا يتجزأ وعقيدة قوامها التوحيد وأهم عناصرها حسن الخلق وفروعها العبادات والمعاملات وقوامها الطاعة والتسليم لله الواحد الأحد وأساسها الفهم والعلم والفكر والدراسة ألم تجد ان الله سبحانه وتعالي يأمرنا بذلك في تساؤلات واضحة “أفلا يعقلون”.. “أفلا يتفكرون”.. وهكذا.
** الفكر الصحيح يلد سلوكا صحيحا.. ويمنحنا مجتمعا مسلما قويا.. ويؤكد عظمة الإسلام..!!