خلال فعاليات اليوم الثالث من دورة “تفنيد الفكر المتطرف” لأئمة شمال وجنوب سيناء بأكاديمية الأوقاف الدولية أ.د/ عبد الله النجار: الإسلام دين مكارم الأخلاق وقد جاء ليحقق الغايات الكبرى لإسعاد البشرية السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع وحجيتها محل إجماع الأمة ما كان راجحًا في عصر وفق ما اقتضته المصلحة قد يكون مرجوحًا في عصر آخر إذا تغير وجه المصلحة فيه
استمرارًا لخطة وزارة الأوقاف في التدريب والتأهيل لتنمية المهارات والارتقاء العلمي بالسادة الأئمة وفي إطار جهود الوزارة للتصدي للفكر المتطرف ، وبرعاية كريمة من معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، استمرت فعاليات اليوم الثالث من دورة ” تفنيد الفكر المتطرف ” لأئمة شمال وجنوب سيناء اليوم الاثنين 14 / 12 / 2020م بأكاديمية الأوقاف الدولية بمحاضرة للأستاذ الدكتور/ عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية حول كتاب: “الفهم المقاصدي للسنة النبوية” ، وهو أحد إصدارات وزارة الأوقاف ، وبمراعاة جميع الإجراءات الاحترازية والضوابط الوقائية والتباعد الاجتماعي.
في بداية المحاضرة أكد فضيلته أن الإسلام عدل كله، رحمة كله ، سماحة كله، تيسير كله ، وأن أهل العلم قديمًا وحديثًا على أن كل ما يحقق هذه الغايات الكبرى هو من صميم مقاصد الأديان ، فالإسلام دين مكارم الأخلاق حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ” ، فحيث يكون الصدقُ، والأمانةُ، والبرُ، وصلةُ الرحم، وإماطةُ الأذى عن الطريق، وتفريجُ كروب المكروبين، يكون صحيح الإسلام ومقصده، وحيث تجد الكذبَ والغدرَ، والفجورَ في الخصومةَ، وضيقَ الصدر، فانفض يدك ممن يتصف بهذه الصفات ومن تديُّنهم الشكلي، واعلم أنهم عبءٌ ثقيل على الدين الذي يحسبون أنفسهم عليه، لأنهم بهذه الأخلاق وتلك الصفات، صادُّون عن دين الحق لا دعاة إليه، وإن أعجبك قولهم وأدهشتك بلاغتهم فتذكر قول الله تعالى: “وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُۥ فِي ٱلحَيَوةِ ٱلدُّنيَا وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ * وقوله سبحانه: “وَإِذَا رَأَيتَهُم تُعجِبُكَ أَجسَامُهُم وَإِن يَقُولُواْ تَسمَع لِقَولِهِم كَأَنَّهُم خُشُب مُّسَنَّدَة يَحسَبُونَ كُلَّ صَيحَةٍ عَلَيهِم هُمُ ٱلعَدُوُّ فاحذَرهُم قَتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤفَكُونَ”
وأضاف فضيلته أننا عندما نتحدث عن السنة النبوية المشرفة إنما نتحدث عن المصدر الثاني للتشريع ، فقد أجمع علماء الأمة وفقهاؤها وأصوليوها على حجية السنة النبوية، وأن طاعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من طاعة الله (عز وجل)، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: “يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَزَعتُم فِي شَيء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱليَومِ ٱلأخِرِ ذَلِكَ خَير وَأَحسَنُ تَأوِيلًا”، وقد نهى الحق سبحانه وتعالى وحذر من مخالفة أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال سبحانه: “.. فَليَحذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن أَمرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُم فِتنَةٌ أَويُصِيبَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ”، ويقول سبحانه: “يـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبطِلُواْ أَعمَلَكُم”، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): ” أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ الله، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالًا اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ الله كَمَا حَرَّمَ الله”.
كما أكد فضيلته أن الإقدام على التجديد في فهم وعرض القضايا الفقهية، والنظر في المستجدات العصرية يحتاج إلى رؤية ودراية وفهم عميق وشجاعة وجرأة محسوبة ، وحسن تقدير للأمور في آن واحد ، كما أنه يحتاج من صاحبه إلى إخلاص النيّة لله (عز وجل) بما يعينه على حسن الفهم وعلى تحمل النقد والسهام اللاذعة ممن أغلقوا باب الاجتهاد، وأقسموا جهد أيمانهم أن الأمة لم ولن تلد مجتهدًا بعد ، متناسين أو متجاهلين أن الله (عز وجل) لم يخص بالعلم ولا بالفقه قومًا دون قوم، أو زمانًا دون زمان ، وأن الخير في أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى يوم القيامة.
مضيفًا أن ما ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة، وما أجمعت عليه الأمة وصار معلومًا من الدين بالضرورة كأصول العقائد وفرائض الإسلام من وجوب الصلاة، والصيام، والزكاة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، كل ذلك لا مجال للخلاف فيه، فهي أمور توقيفية لا تتغير بتغيّر الزمان والمكان ، والأحوال والأشخاص، فمجال الاجتهاد هو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي، ذلك مع أننا ننظر بكل التقدير والاحترام لآراء الأئمة المجتهدين: الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، ومن كان على شاكلتهم من العلماء والفقهاء المعتبرين في اجتهادهم، نرى أنهم جميعًا أهل علم وفضل.
وفي ختام المحاضرة أشار فضيلته إلى أحد نماذج الفهم المقاصدي للسنة النبوية وهو حديث السواك ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ الله عَنْهُ) أَنَّ رَسُولَ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ) ، وقد بين النبي (صلى الله عليه وسلم) الحكمة من استخدام السواك والمواظبة عليه، حيث قال : (السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ) ، وإذا كان القصد من السواك هو طهارة الفم والحفاظ على صحته ، وعلى رائحته الطيبة، فإن هذا المقصد كما يتحقق بعود السواك المأخوذ من شجر الأراك يتحقق بكل ما يحقق هذه الغاية، فلا حرج مِن فِعْلِ ذلك بعود الأراك أو غيره، كالمعجون وفرشاة الأسنان ونحوهما، أما أن نتمسك بظاهر النص ونحصر الأمر حصرًا ونقصره قصرًا على عود السواك دون سواه، ومن يقوم بغير ذلك غير مستنٍّ بها؛ فهذا عين الجمود والتحجر وضيق الأفق لمن يجمد عند ظاهر النص دون فهم أبعاده ومراميه ومقاصده، فقد استخدم رسولنا (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (رضوان الله عليهم) ما كان متيسرًا في زمانهم ، ولو عاشوا إلى زماننا لاستخدموا أفضل وأنفع وأحدث ما توصل إليه العلم في سائر المجالات .