كلمة أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في المؤتمر الدولي الذي تنظمه الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية تحت عنوان : ” الأخلاقيات الدينية في عصر الوباء ”
وفيها يؤكد : الأخلاق ميزان اعتدال الحضارات واستقامتها وانحدار الأخلاق في أي أمة إيذان بانهيار حضارتها والأخذ برأي أهل الاختصاص مطلب شرعي
أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في كلمته التي ألقاها نيابة عنه الدكتور/ هشام عبد العزيز أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالمؤتمر الدولي الذي تنظمه الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية تحت عنوان : ” الأخلاقيات الدينية في عصر الوباء ” , أن الأخلاق ميزان اعتدال الحضارات واستقامتها , وأن انحدار الأخلاق في أي أمة إيذان بانهيار حضارتها , والأخذ برأي أهل الاختصاص مطلب شرعي , كما أكد أن للمحن والشدائد آدابها، ومن أهمها : الأدب مع الله وحسن الرجوع إليه، فزمن المحن هو زمن التوبة والأوبة إلى الله (عز وجل) ، حيث يقول الحق سبحانه : “فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا”، فهو وحده القادر على كشف الضر ورفع البلاء، حيث يقول سبحانه : “أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ الله قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ”.
ومنها : الأدب مع الخلق بالتراحم والتكافل ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِى الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ” ، وفي الحديث القدسي: ” إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقولُ يَومَ القِيامَةِ : يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟ قالَ : أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْه ُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ يا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، قالَ: يا رَبِّ وكيفَ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟ قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ ؟ أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي ، يا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أسْقِيكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟ قـالَ : اسْتَسْقــاكَ عَبْدِي فُـلانٌ فَلَمْ تَسْـقِهِ ، أمـا إنَّكَ لـو سَقَـيْتَـهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي”.
ومنها : عدم المتاجرة بالأزمات ، من الاستغلال والاحتكار والأنانية والشـره في الشراء وتخزين السلع فوق الحاجة الضرورية ، ونحو ذلك، فاستغلال حوائج الناس إثم كبير يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى الله أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ”، فديننا دين الإيثار لا الأثرة، حيث يقول الحق سبحانه: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا في الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُمْ” .
ومنها : ترشيد الاستهلاك ، وإذا كان ترشيد الاستهلاك مطلوبًا كنمط حياة ، فإن الأمر يكون ألزم وأولى في أوقات الشدائد والأزمات .
ومنها : طاعة ولي الأمر ومن ينوب عنه من مؤسسات الدولة فيما يتصل بتنظيم شئون الحياة ومواجهة الكوارث والأزمات ، إذ لا يصلح الناس فوضى لا مرجعية لهم ، ولا يمكن أن تكون هذه المرجعية هي صفحات التواصل غير الرسمية ومن غير أهل الاختصاص ، فالمرجعية لأهل الاختصاص ممن تقع عليهم مسئولية إدارة الأزمة ، ومن ثمة فإننا نؤكد أن الالتزام بتوجيهات جهات الاختصاص في مواجهة المحن والشدائد والأزمات واجب شرعي ووطني وإنساني .
ومنها : تعظيم العادات الإيجابية كالنظافة والطهارة والمواظبة على غسل الأيدي ونحو ذلك .
ومنها : التخلص من العادات غير الحسنة كالمعانقة ، فقد قال الإمام مالك بكراهتها أصلا ، وقال أحمد بن غنيم المالكي في الفواكه الدواني : وكره مالك المعانقة ، ونسب الطحاوي ذلك أيضا إلى الإمامين أبي حنيفة ومحمد، وقال زين الدين ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق : ” وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ غَيْرِهِ وَمُعَانَقَتُهُ وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ”، وتكره عند الشافعية إلا لقادم من سفر، قال شمس الدين محمد بن أحمد الشربيني الشافعي : وَتُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ فِي الرَّأْسِ إلَّا لِقَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ ، أَوْ تَبَاعُدٍ لِقَاءً عُرْفًا، وقالت الحنابلة بإباحتها، قال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: ” وَتُبَاحُ الْمُعَانَقَةُ وَتَقْبِيلُ الْيَدِ وَالرَّأْسِ تَدَيُّنًا وَإِكْرَامًا وَاحْتِرَامًا”، على أن القول بإباحة المعانقة عند من أباحها مقيد بما لم يكن هناك داء يخشى نقله من خلالها أو بسببها ، ومعلوم لدى الجميع أن درء المفسدة ولو محتملة مقدم على المباحات وحتى المستحبات ، ولَك في أوقات السعة أن تأخذ بأي الآراء شئت من غير أن ينكر من أخذ برأي على من أخذ برأي آخر ، فمعلوم أنه لا إنكار في المختلف فيه ، إنما ينكر على من خرج على المتفق عليه عند أهل العلم المعتبرين في ضوء مراعاة ظروف الزمان والمكان والأحوال ، أما النوازل فلها أحكامها المعتبرة .