برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر ومعالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف مازالت القوافلُ الدعوية لعُلماء الأزهر والأوقاف تجوب محافظات مصرَ وربوعها، من أجل نشر تعاليم الدين الصحيح، وبيان مقاصد وغايات الشريعة الإسلامية السمحة التي تحقق السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة، حيث أكد العلماء المشاركون في القافلة الدعوية بمحافظة الجيزة اليوم 12 / 9 / 2014م أن الدين المعاملة ، وأن الخلق ادليل على صدق إيمان صاحبه ، فالإنسان خليفة الله في أرضه ، والأحكام الشرعية جاءت دليلاً ومرشدًا، لتساعد الإنسانَ في تحقيق مصالحه، فتدلّه على الخير، وتهديه إلى الطريق المستقيم، وأنّه ما من مصلحة في الدنيا والآخرة إلا وقد رعاها الشرع، وأوجد لها ما يكفل إيجادها والحفاظ عليها وما من مفسدة في الدنيا والآخرة إلا وحذّر منها وأوجد لها بديلا، وأن الغاية المنشودة والثمرة المرجوّة من الطاعات والعبادات في الإسلام هي تزكية النفوس البشرية وتقوية صلة الإنسان بربه، وبمن يعيشون معه في مجتمعه.
في مسجد الحُصري بالحي السابع بمدينة السادس من أكتوبر أكد أ.د/ محمد عبد العاطي عباس أستاذ العقيدة والفلسفة ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية جامعة الأزهر أن دين الإسلام هو دين السماحة واليسر في جميع المعاملات، وقد أثنى (نبينا صلى الله عليه وسلم ) على من كان سمحاً في بيعه وشرائه ؛ فعن جابر رضي الله عنه: قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى ، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى ، سَمْحًا إِذَا قَضَى)، ويجب على المسلم ألّا يستغل فاقة الناس وفقرهم وشدة حاجتهم، فهذا يُعد من التعسير والتضييق على الناس مما يوغر الصدور، ويزيد الأحقاد، وينشر الكراهية والبغضاء، وهذا ما لا يريده الإسلام ولا تقبله النفوس المؤمنة، وليعلم الرجل السمح في بيعه وشرائه أن الله سيرحمه في الدنيا والآخرة، فالإنسان المؤمن يتعامل مع الخَلْق المعاملة التي يجب أن يعامله الناس بها، فيُحسّن خٌلقَه ولا يبتغي من وراء ذلك إلا وجه الله تعالى.
وقد ذكّرَ أ.د/ عطية لاشين الأستاذ المساعد بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر في خطبته بمسجد خاتم المرسلين بالعمرانية، بأن المعاملة الحسنة والأخلاق النبيلة والطيبة- وهي سلعة نادرة – تكشف معدن الإنسان الخلوق وتظهر سمو أفكاره، والناس لا يحبون العابد المتكبر ، وإنما يحبون البسّام البشوش المتواضع، وهذه صفات نبينا التي جمع بها من حوله: ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ”، ومن الأخلاق التي تكون دليلًا على المعاملة الحسنة وانضباط السلوك الإنساني الوفاء بالعهد وهو خلق كريم من أخلاق الإسلام.
وقد أشار د/ سعيد عامر الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية في خطبته، بمسجد المنيرة بإمبابة، أن المسلم الحق هو الذي يترجم إسلامه إلى سلوكيات إيجابية في واقع حياته، ليعود أثر ذلك عليه وعلى المجتمع بكل ما هو مفيد وصالح وفيه النفع لعامة المسلمين، فلقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم حسن المعاملة والعلاقة مع الآخرين من كمال الإيمان فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”، وقال فضيلته مُذكّرًا المصلين بمعاملة النبي (صلى الله عليه وسلم) للخدم، ولأعدائه: من مآثر سيرته صلى الله عليه وسلم معاملته الحسنة مع الخدم فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: “ما ضرب رسول الله بيده خادمًا له قطّ، ولا امرأة، ولا ضرب رسول الله بيده شيئًا قطّ، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خُيِّر بين أمرين قطّ إلا كان أحبهما إليه أيسرهما إلا أن يكون إثمًا ، فإذا كان إثمًا كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله (عز وجل) فينتقم لله”.
كما عدد فضيلة الشيخ/ عبد الناصر نسيم، وكيل وزارة الأوقاف بالجيزة، في خطبته بمسجد الصبّاح فضائل المعاملة الحسنة في الإسلام قائلًا: من يتتبع نصوص القرآن الكريم وسنّة النبي (صلى الله عليه وسلم) يجد أنها اعتنت بمعاملة الناس معاملة حسنة، ولننظر إلى الآية الكريمة التي جمعت أصول فضائل المعاملة الحسنة قال تعالى: ” خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ “، فجمعت الآية الكريمة أصول الفضائل ومكارم الأخلاق فيما يتعلّق بمعاملة الإنسان مع الغير:- الأول: الأخذ بالعفو، وهو السّهل اللين من أخلاق الناس وأعمالهم، دون تكليفهم بما لا يطيقون، وأن يصل الرحم المقطوعة، وأن يرفق بالمؤمنين، والثاني: الأمر بالعرف وهو المعروف والجميل من الأفعال، وهو كل ما أمر به الله تعالى، واستحسنه أهل الخير، فيشمل كل خير من طاعة وبرّ وإحسان إلى الناس، ولا يذكر المعروف في القرآن إلا في الأحكام المهمة، والثالث: الإعراض عن الجاهلين، ويكون هذا في عدم مقابلة السّفهاء والجهّال بمثل فعلهم، والابتعاد عن معاشرتهم، والصّبر على سوء أخلاقهم، عملًا بقوله تعالى:” وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا”، كما وضّحَ فضيلته أنّ هناك ارتباطا وثيقا بين الأخلاق والإيمان، وكل عمل يقوم به العبد المسلم يحتاج إلى الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة ولا شك أن من فقد الإيمان والتقوى فقد فقد تلك الأخلاق، وكلما كان المؤمن أكمل أخلاقًا كان أكثر إيماناً.
وقد أشار د/ محمد سعد مطاوع، باحث الدعوة بوزارة الأوقاف، في خطبته بمسجد عماد راغب بالحي السادس، إلى أنه لكي تكونَ المعاملة حسنة يجب ضبط السلوكيات الأخلاقية، ومنها الأمانة التي يجب أنْ يتَّصِف بها المسلم؛ لأنها من الدِّين، ولثقلها أبَت السماوات والأرض والجبال حَمْلَها وحمَلَها الإنسان، قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾.
وقد رحب المصلون بالقافلة مثمنين دور الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف في تسيير مثل هذه القوافل الدعوية التي تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، مطالبين بالإكثار منها لعموم نفعها لكل فئات المجتمع كبارا وصغارا وشبابا وفتيات.