أ.د / محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
لاشك أن الظروف التي مرت بها مصر ، ومازالت تبعاتها وأحداثها تتوالى تفرض كثيرًا من المعادلات الصعبة التي تتطلب التعامل معها بحكمة عالية من منطلقات شرعية ووطنية ورؤية عصرية شاملة تراعي كافة المستجدات والمتغيرات على أرض الواقع .
وبما أن وزارة الأوقاف جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني ، وقد أعلنت بوضوح أنها وزارة دعوية وطنية ، وأنها قد حددت بوضوح أهدافها ، سواء في ضبط الخطاب الديني وحمايته من الدخلاء وغير المتخصصين ، أم في خدمة القضايا الوطنية والإسهام والدعم لكل المشروعات الاقتصادية الكبرى ، التي لا تحقق مصالح البلاد والعباد إلا بإقامتها ، إذ ندرك أن صحيح الشرع لا يتناقض مع صحيح العقل ، فحيث تكون المصلحة فثمة شرع الله ، فقد قامت الشرائع السماوية على التيسير ورفع الحرج ومراعاة مصالح الخلق وصيانتها ، مع صيانة الدين والنفس والمال والعقل والعرض ، وهو ما يعرف بالكليات الخمس .
وإننا لنؤكد ابتداء أننا لا يمكن أن نتخذ من الإقصاء مسلكًا لأحد من أبناء المجتمع المصري ، ما لم يكن هناك حكم قضائي بإقصائه أو تجريمه ، أو يثبت بالبرهان القاطع ارتكابه لأعمال إرهابية أو إجرامية أو تخريبية أو مشاركة في العنف أو تحريض عليه ، وإنما نتعامل بموضوعية في ضوء الضوابط واللوائح والقوانين المنظمة لعملنا وما تقتضيه المصلحة الشرعية والوطنية معًا ، وأكبر دليل على ذلك أننا لم نقصِ أي إمام أو خطيب من الأوقاف لمجرد انتمائه الحزبي أو الفكري أو السياسي ، وإنما نتعامل بموضوعية تامة مع مدى استجابته والتزامه بضوابط عمله الوظيفي وتوجيهات الوزارة فيما يتصل بضبط الخطاب الديني من أهمية الحفاظ على المنبر ، وعدم تركه لأحد أيًّا ما كان وضعه ، ما لم يأته كتاب رسمي من إدارة الأوقاف التابع لها بذلك ، وفي ضوء التصاريح الصادرة لمن تنطبق عليهم شروط الخطابة ، مع الالتزام بموضوع الخطبة الموحد ، وزمن الخطبة ، وعدم توظيف المنبر سياسيًا أو حزبيًا أو طائفيًا أو مذهبيًا ، فمن التزم بذلك تابعنا عمله متابعة دورية بدقة ، فالثقة في الإدارة لا تعني عدم المتابعة ، والمتابعة لا تعني عدم الثقة ، ولسنا مكلفين بعد ذلك بالتنقيب عن القلوب أو حياة الناس الخاصة ، ومن لم يلتزم كان التعامل معه في ضوء القانون .
غير أنني أؤكد على أن الخطابة ليست حقًا مكتسبًا بمجرد الحصول على الشهادة حتى لو كانت أزهرية ، فهناك وزارة تنوب عن السلطة القائمة في الإشراف على المساجد ، وضبط شئون الخطاب الديني ، فالإمام أو الخطيب نائب عن الإمام أو من ينيبه الإمام في إقامة الجمعة .
فكما أن الشأن في القضاء أنه ليس شرطًا لكل من يحصل على ليسانس حقوق أن يكون قاضيًا ، أو كل من يحصل على بكالريوس تجارة أن يكون مفتش تموين أو جمارك ، ولا كل من أراد التطوع للقوات المسلحة أن يكون جنديًا ، أو التطوع للعمل بالشرطة أن يكون شرطيًا ، فلكل وزارة أو جهة أو هيئة حساباتها في قبول أعضائها أو منح تراخيص العمل لهم ، وليس دين الله أهون من أمور الدنيا ، حتى يفرض بعض الناس أنفسهم فرضًا على المؤسسة لتقبلهم رغمًا عنها ، وإلا لم تكن هناك دولة ولا قانون ولا نظام محكم .
ومع ذلك فإننا سنتيح الفرصة لكل من تنطبق عليه الشروط أن يتقدم للامتحانات التحريرية والشفوية التي تجعلنا نطمئن إلى من يُسند إليه العمل ، وستظل متابعتنا للجميع مستمرة لا تنقطع ، ويكون التصريح بالعمل مرتبطًا بمدى الالتزام الكامل بتعليمات وتوجيهات الوزارة التنظيمية التي لا يمكن أن تصطدم بصحيح الشرع أو تمس ثوابته أو تعطل شيئًا منه ، فمهمتنا الأساسية الحفاظ على الثوابت ، والدفاع عنها ، ومحاربة كل ألوان التطرف والغلو والتسيب والانحلال دون إفراط أو تفريط أو غلو أو تقصير .
وفي هذا الشأن نؤكد أن وزارة الأوقاف ليست خصمًا مع أحد ، أو أنها تضع لوائحها لإقصاء أحد بعينه ، ولكنها مفوّضة من السلطة المختصة في القيام على أمر الدعوة والخطابة بمساجد مصر ، وهي أمينة على ذلك كل الأمانة ، وستحافظ عليها دون أي ضعف أو تهاون أو خضوع لأي لون من ألوان الضغوط مهما كانت شدتها أو من يقف وراءها ، فالقضية قضية وطن وكيان دولة ، ولا أحد فوق الدولة أو القانون ، أما من يحاول أن يفرض نفسه قصرًا على نظام الدولة ، محتميًا بالأنصار والأتباع ، فهذا خطر داهم على المجتمع وعلى أمن الوطن واستقراره ، ولا يمكن أن نسمح به أو نخضع له ما بقي لنا في تحمل الأمانة والمسئولية يوم واحد ، وما بقي فينا نفس يُلفظ ، وسنظل على هذه المبادئ أينما كنا ، وإن كانت السياسة العامة وأمانة المسئولية تفرض علينا العمل على جمع الشمل ما دام ذلك في خدمة المصلحة العليا للوطن .