ارتبط تاريخ التتار في الذاكرة التاريخية بكل ألوان الوحشية والهمجية والانحراف عن السلوك الإنساني القويم إلى حيوانية فجة اتخذت من إرهاب الخصم مسلكًا ومنهجًا ، قاصدة وعامدة إلى إلقاء الرعب في نفوس خصومهم ، تفت في عضدهم ، وتدمر معنوياتهم ، وتجبرهم على استسلام غير مشروط ، ثم لا تفي لهم بعهد ولا بوعد ، ولا بأمان ولا ذمة ، ولم تعرف الذاكرة العالمية قومًا أكثر وحشية وهمجية منهم .
ويبدو أن ما تقوم به داعش ومن يسير على نهجها من الفتك بالخصوم وذبحهم بطريقة توحي بوحشية الذابحين وتجردهم من الإنسانية ، أو القيام بالتمثيل بالجثث والتنكيل المنهي عنه شرعًا ، كقطع الرقاب وإلقاء الجثث إلى جانب الرءوس ، أو بلا رءوس أصلا ، يبدو أن ذلك كله مخطط بعناية ، وخلفه أياد صهيونية اختارت ضحاياها من الإرهابيين بعناية شديدة وبناء على دراسات نفسية دقيقة ، غير أن ذلك كله ما كان ليتم لو أننا قمنا بواجبنا الفكري والثقافي والتربوي والتعليمي والاجتماعي على وجه سديد .
ولا ينبغي أن نلقي بكل اللائمة على أعدائنا فحسب ، فكما قال الشاعر :
أنا لا ألوم المستبــــد إذا تجاوز أو تعــــــدى
فسبيلـه أن يستبـــد وشأننــــا أن نستعدا
ولكن علينا أن نراجع أنفسنا ، فكما قال الشافعي :
نعيب زماننا والعيـب فينــــــا ومـا لزماننــا عيـبٌ سوانـــا
ونهجو ذا الزمـانَ بغيـر ذنــبٍ ولو نطق الزمان لنا هجانـــا
لذا يجب ألا يقف دورنا عند رصد الظواهر ، مع تسليمنا بأن العنف والتخريب والتدمير والبطش والفتك قد صار ظاهرة تستحق الدراسة والمعالجة ، وإنما يجب علينا أن نبحث الحلول التي من شأنها أن تقضي على الظاهرة من أساسها وتقتلعها من جذورها ، وهنا لابد أن تتضافر جهود مؤسسات عديدة على رأسها المؤسسات الدينية والعلمية والفكرية والثقافية والاجتماعية ، لكشف أبعاد هذا الخطر الداهم ، وكشف من يقف وراءه ومن يدعمه ومن يموله ، ومن يوفر له غطاء أدبيًا أو معنويًا ، ونعمل متضامنين على القضاء عليه ، لأن الأمر جد خطير .