خلال برنامج ندوة للرأي بقناة النيل الثقافية بمبنى الإذاعة والتليفزيون
أ.د/ عبد الله النجار :
التصوف وسيلة صحيحة لفهم مقاصد الدين
والعلم أول طريق التصوف الحقيقي
أ.د/ جمال فاروق :
التصوف له أثر عظيم في ترسيخ القيم
وبناء الشخصية السمحة
وتاريخ التصوف حافل بالرحمة والتسامح
وتأصيل القيم النبيلة وترسيخها
في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به وزارة الأوقاف ، والمشاركات التثقيفية والتنويرية لقضايا الدين والمجتمع التي تسهم في بناء الإنسان ، وفي ضوء التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري ، وبرعاية كريمة من معالي أ.د / محمد مختار جمعة وزير الأوقاف عقدت وزارة الأوقاف مساء الثلاثاء 22 / 9 / 2020م ندوة للرأي تحت عنوان : ” أثر التصوف في ترسيخ القيم وترقية النفس الإنسانية” بمبنى الإذاعة والتليفزيون ، تحدث فيها أ.د/ عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية ، و أ.د/ جمال فاروق العميد السابق لكلية الدعوة الإسلامية، وأدار الندوة وقدم لها الإعلامي أ/ محمد عامر .
وفي كلمته أكد أ.د/ عبد الله النجار أن التصوف يرتقي بأخلاق الإنسان ، و أن جهاد النفس أعلى أنواع الجهاد وهو الأساس الذي تقوم عليه الأنواع الأخرى ، وذلك بإلزام النفس وإجبارها على ما أمر الله تعالى به ، والاجتناب والابتعاد عمّا نهى عنه ، كما أنّ العبد لا يصل إلى الله تعالى بشرور النفس ، فقد يقع البعض في أهوائها ، فيحقق لها رغباتها وشهواتها ، والبعض الآخر من الناس يأسر نفسه ويمنعها من الشهوات والأهواء، يقول تعالى: “فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).
كما ذكر سيادته أن العبادات في جوهرها وسيلة للتقرب إلى الله (عز وجل) لتهذيب السلوك ، فصوم لا يحقق معنى التقوى في القلب لم يؤت ثمرته المرجوه ، وزكاة لا ترفع الإنسان إلى مقام العطاء هي أيضًا عبادة لم تؤت ثمرتها ، وحج لا يصل بالإنسان إلى التواضع والاستزادة من الطاعات والتقرب إلى الله تعالى هو أيضا لم يؤت ثمرته ، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن نفهم بعض جوانب الدين إلا من خلال التصوف ، فلا يمكن أن يتصور الانسان حقيقته إلا من خلال هذا الاستشراف الروحي الذي نفهمه من التصوف ،كما أن التصوف وسيلة صحيحة لفهم مقاصد الدين ، ومقصود العبادات التي نؤديها لن يتأتى إلا من خلال الرقابة الذاتية التي يحققها التصوف.
وفي ختام كلمته بين سيادته أنه لن تتحقق للمسلمين العزة المطلوبة إلا من خلال أدوات الاقتدار، ولما تكلم القرآن الكريم عن الزهد في الدنيا فهو يعالج في النفس البشرية الهوى ، فالإنسان بطبعه ميال للدنيا محب لها ، وآيات الزهد إنما هي وسيلة وليست غاية ، والمنافسة بين الشعوب والدول تبنى على القدرة ، يقول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ” اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى ” ، أي اليد المعطية المنفقة التي تعطي لغيرها من متاع الدنيا سواء أكان عطاؤها ماديا أم معنويا ، وينبغي أن تكون صلة الإنسان بمجتمعه وبغيره صلة صحيحة وقوية ، مبينا أن العلم هو أول طريق التصوف الحقيقي ، قال تعالى في أول ما نزل من القرآن الكريم : ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ” ، والعلم هو الأساس الذي يعصم الإنسان من الانحراف والتطرف ، والجماعات المتطرفة حولت علم الدين إلى أداة لخدمة أغراض جماعاتهم ، وانحرفت بالعلم انحرافًا مشينًا وممقوتًا .
وفي كلمته أكد أ.د/ جمال فاروق أن دور التصوف وأثره في ترسيخ القيم وبناء الشخصية السمحة نابع من الفهم الصحيح لحقيقة التصوف السمحة ، ومن دوره في ترقية الأخلاق والحس الإنساني ، حيث حفل تاريخ التصوف بالرحمة والتسامح وتأصيل القيم النبيلة وترسيخها ، مبينا فضيلته أن التصوف الحق أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، وهو حال المشاهدة ، فإن لم تستطع أن تتلبس بهذا المقام فكن في مقام المراقبة ، كما فرق فضيلته بين كلمة المُخلَص” (بفتح اللام) وكلمة “المُخلِص” (بكسر اللام)، قال تعالى في حق سيدنا يوسف (عليه السلام) : “إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ” بفتح اللام ، وقال تعالى : “إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ” بكسر اللام ، فالعبد المخلِص -بالكسر- هو ذلك المجاهد لنفسه المنقطع بالعبادة لله تعالى ساعيًا لمرضاته ومغفرته ،أما المخلَص -بالفتح- فهو العبد الذي استخلصه واجتباه الله سبحانه وتعالى لنفسه ، فالإخلاص بالكسر يكون نابعا من العبد لله سبحانه وتعالى ،أما بالفتح فهو الاجتباء الذي يكون من قبل الله تعالى مختصا به بعض أوليائه . فالتصوف يهذب النفس من شوائب الغل والكبر والعناد والحسد ، والتصوف الحقيقي هو المبني على الكتاب والسنة النبوية المطهرة ، ولا يمكن للتصوف أن يُخَرّجَ متطرفًا ، أو إرهابيًّا ، وينبغي للمتصوف أن يلتزم مقام المراقبة إن لم يبلغ بعد مقام المشاهدة ، والولي محفوظ وليس بمعصوم ، يقول الإمام القشيري في رسالته : تعامل القرن الأول فيما بينهم بالدين زمانا طويلا حتى رق الدين، ثم تعامل القرن الثاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء، ثم تعامل القرن الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعامل القرن الرابع بالحياء حتى ذهب الحياء، ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة، ولابد للتصوف من العلم يقول الإمام مالك (رحمه الله) : “من تصوف بدون علم فقد تزندق ، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق ” .