لقد عني الإسلام بالأيتام عناية خاصة ، فقال الحق سبحانه : ” وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” ( البقرة : 220 ).
فالإصلاح هنا أمر جامع لما يحتاج إليه اليتيم ، فقد يحتاج إلى المال فيكون الإصلاح برًا وعطاءً ماديًا ، وقد يحتاج إلى من يتاجر له في ماله أو من يقوم على زراعته أو صناعته فيكون الإصلاح هو القيام بذلك ، وقد لا يحتاج اليتيم إلى المال ، إنما يحتاج إلى التقويم والتربية، فيكون الإصلاح هنا رعاية وتربية ، وقد لا ينقصه هذا ولا ذلك ، إنما تكون حاجته أشد ما تكون إلى العطف والحنو والإحساس بالأبوة ، فيكون الإصلاح إشباع ذلك عنده.
وقد يكون الإصلاح في تقويم زيغه أو اعوجاجه ، فقد جاء أحد الناس يسأل النبي (صلى الله عليه وسلم) : ممّ أضرب يتيمي ؟ فقال (صلى الله عليه وسلم ) : ” مما كانت ضاربا منه ولدك ” ، فالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يطلب من السائل أن يعامل اليتيم معاملة ولده ، فينظر إلى ما يصلحه ويقومه ويشد عضده ، ومن هنا تلتقي البلاغة النبوية في إيجازها ووفائها بالمراد مع النص القرآني ، وإن كان الحديث النبوي قد ركز على جانب واحد من جوانب الإصلاح ، وهو التأديب والتقويم ، فإن الإصلاح في النص القرآني هو الكلمة الجامعة لما يحتاج إليه اليتيم وما يصلحه ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ” وأشار (صلى الله عليه وسلم) بِإِصْبَعَيْهِ السَّبابةِ وَالْوُسْطَى .
ومع ذلك فإن أفضل وسيلة لإكرام اليتيم هو كفالته والإحسان إليه وهو بين أهله وذويه : أمه ، أو أخته ، أو جدته ، أو عمته ، أو خالته ، أو عمه ، أو خاله .
وبدراسة علمية عملية لإحدى الدُور التي كانت حتى العام الماضي تتبع وزارة الأوقاف كان متوسط تكلفة إقامة اليتيم أو اليتيمة تزيد على ألفي جنيه ، لأن عدد المشرفين والمشرفات ، والعمال والعاملات ، والإداريين والإداريات ، والمنتفعين والمنتفعات ، كان أكثر من عدد الأيتام واليتيمات ، ولو أننا أنفقنا ربع هذا المبلغ على اليتيم وأسرته معًا لتحسن حال الأسرة كلها ، مما جعلنا نأخذ قرارًا بالإجماع على إلحاق هؤلاء الأيتام بأسرهم ورعايتهم ماديًا وتعليميًا ، وهم بين أهليهم وذويهم .
ذلك أن فصل اليتيم عن أسرته له أثار نفسية واجتماعية سيئة على اليتيم وعلى أسرته معًا ، حيث تشعر الأسرة بالعجز والإحباط ، وشيء من العار أحيانًا ، لبعد ابنها أو ابنتها عنها نتيجة عدم قدرتها على الإنفاق عليه أو عليها ، كما أن كثيرًا من هؤلاء الأطفال لا يستطيعون بعد خروجهم من دُور الأيتام الانسجام مع الأسرة وضوابطها وطريقة حياتها ، ويكون مصير بعضهم الانضمام إلى من يعرفون بأطفال الشوارع .
على أن أمر هذه الدُور يحتاج إلى إعادة تقييم من جهة ، وإلى الرقابة والمتابعة المستمرة من جميع المؤسسات المعنية المالية والرقابية والإدارية والتربوية من جهة أخرى ، للاطمئنان على أنها تؤدي دورًا يَصبُّ في المصلحة الوطنية ، حتى لا يتحول الأمر إلى متاجرة باسم الأيتام ، أو كبار السن ، أو المعاقين ، أو ذوي الاحتياجات الخاصة .
وما حدث في دار أيتام الهرم جرس إنذار يستوجب التنبه للأمر بشدة وسرعة ، كما يستوجب إعادة تقييم عمل هذه الدُور .
أما ما يتصل بأمر اللقطاء فينبغي أن يكونوا في دور رعاية متخصصة تحت إشراف كامل لمؤسسات الدولة ، وبخاصة المؤسسات التربوية والمعنية بحقوق الطفل ، وتحت إشراف أناس مدربين ومتخصصين .