أكد كثير من علماء الفقه والشريعة وأهل الاختصاص في مجال السياحة دعمهم وتأييدهم لدعوة وزير الأوقاف لتقنين العمرة ، وعلى رأسهم :
1- أ.د/ محمد عبد الستار الجبالي أستاذ ورئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الأزهر وعضو اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة فيما نشرته صحيفة الجمهورية في عددها الصادر اليوم الأحد 3/8/2014 م ، حيث قال : إن الوقت الذي نمر به الآن يحتاج منا إلى العمل بفقه الأولويات الذي يقصد به وضع كل شيء في مكانه بالعدل من الأحكام , ثم يقدم الأولى فالأولى بناء على معايير شرعية صحيحة يهدي إليها نور الوحي ونور العقل, فلا يقدم غير المهم على المهم والمهم على الأهم ولا المفضول على الفاضل , بل يقدم ما حقه التقديم , ويؤخر ما حقه التأخير, بل يوضع كل شيء مكانه ، يقول الله تعالى : ” أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ ” (التوبة : 19) ، وقد أفادت الآية الكريمة أن هناك تفاوتًا واضحًا معترفًا به بين أفعال الطاعات .
كما أشار د. الجبالي إلى أن صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كانوا حريصين كل الحرص على أن يُرتّبوا الأولى من الأعمال يتقربون بها إلى الله (عز وجل) , ولهذا كثرت أسئلتهم عن أحب الأعمال وأفضلها .
وأُوضّح أن من ينظر بنظرة فاحصة في الوضع الحالي الذي نحن بصدده الآن يجد ميزان الأولويات مختلاً كل الاختلال , الأمر الذي يؤدي إلى فجوة كبيرة في المجتمع, والمثال على ذلك كثرة بناء المساجد في أماكن مكتظة بالمساجد , وموسم الحج والعمرة من كل عام نرى أعدادًا غفيرة من المسلمين الموسرين يحرصون على شهود الفريضة متطوعين , وقد تنبأ عبدالله بن مسعود بما سيحدث في زماننا عندما قال: في آخر الزمان يكثر الحج بلا سبب , يهون عليهم السفر , ويبسط لهم في الرزق , وربما يرجعون محرومين مسلوبين , وجار لهم مأسور يحتاج المواساة .
2- أ.د/ عبد الله النجار عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث ، فيما نشرتة صحيفة الأهرام يوم الجمعة 1 / 8 / 2014م ، حيث ذكر أن فريضة الحج التي فرضها الله سبحانه وتعالى على القادر مرة واحدة في العمر تحولت الآن إلى فريضة سنوية للقادرين كوسيلةٍ للوجاهة والتميز الاجتماعي، وتحولت لدى البعض إلى رحلة سنويًّا كالذهاب إلى المصائف مثلا ، وذلك بدلا من توفير الحد الأدنى لأسباب الحياة الكريمة للفقراء والذي يعد واجبا على كل قادر بأن يؤدي أمواله في المواطن التي يجب أن تؤدى فيها وهي مواطن الخلل الاجتماعي الذي يكاد أن يطيح بكرامة الفقراء ويحطم إرادتهم، والأولى أن تنفق هذه الأموال على الفئات الفقيرة والتي من شأنها أيضا تصحيح عبوديتهم لله عز وجل وأن تحرر إرادتهم واختيارهم بدلاً من أن يصبحوا فريسة لمن يدفعون لهم الأموال حتى ولو كان (كيلو سكر وزيت) لشراء أصواتهم الانتخابية.
وأضاف: إن إنفاق هذه الأموال لدعم الفقراء يدرأ فسادًا كبيرًا عن البلاد والعباد ، ويجب أن يكون عند المسلمين وعي في ترتيب أولويات إنفاقهم ؛ لأن الأمم التي سبقتها قامت بمراعاة تلك الأولويات، حيث وجهوا الأموال نحو مصارفها الصحيحة واكتفاء الناس في الدنيا أحب إلى الله من وفود بعض القادرين إلى حرمه الشريف ، بينما إخوانهم في البلاد التي أتوا منها يتضورون جوعًا ، وكفى سفهًا في إنفاق المال.
3- الدكتور سعيد عامر أمين عام لجنة الفتوى بالأزهر الشريف الذي قال : إن الشرع الحنيف بروحه وأهدافه لا يقر أن توجه أموال طائلة في مندوب من المندوبات في الوقت الذي فيه واجبات تحتاج إلى هذه الأموال .
4- الشيخ عبد العزيز النجار مدير عام شئون المناطق بمجمع البحوث الإسلامية ، الذي قال : إنه يجوز لولي الأمر فرض حالات استثنائية نظرًا للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وفكرة تقنين الحج والعمرة هي فكرة موجودة داخل المملكة العربية السعودية ، ولما نمرُّ به من حالة اقتصادية سيئة فنحن نؤيد وننادي بفكرة التقنين في الأعوام القادمة فلا يجوز لأحدٍ أن يحج أو يعتمر إلا كل خمس سنوات على الأقل؛ حتى نترك المجال والساحة لمن يريد أن يذهب ولا يستأثر بها الأغنياء فقط دون غيرهم ، كذلك بالنسبة للعمرة فهناك من يؤدي العمرة أكثر من مرة في العام ، ويضيع على الكثيرين، وتقنينها أمر ضروري، وبالتأكيد هذا يعتبر فترة استثنائية فلا بأس بهذا أبدًا نظرًا لظروف بلادنا الاقتصادية والاستثنائية لتوسعة الحرم.
5- الدكتورة مهجة غالب عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر والتي قالت : إن دعوة وزير الأوقاف لتقنين سنوات العمرة من باب “حق ولي الأمر بتقنين المباح” ؛ وذلك لما تقتضيه مصلحة البلاد ” .
6- الأستاذ/ إلهامي الزيات رئيس اتحاد الغرف السياحية فيما ذكرته صحيفة الأهرام في عددها الصادر اليوم الأحد 3 / 8 / 2014م قائلاً : ” إن الدعوة التي أطلقها وزير الأوقاف عملٌ إيجابي ووطني ، ويجب على الدولة تنفيذه ، فنحن في ظل الظروف التي نمر بها أولى بكلِّ دولار يخرج خارجَ مصر ، فالإصرار من جانب البعض على أداء العمرة كل عام استنزافٌ للاقتصاد المصري ، فالعمرة ليست بعدد المرات ، ولكن بالتقوى ، وهل الدين أمَر المسلمين ببيع ممتلكاتهم لأداء العمرة كما يفعل البعض ؟ هذا لم يحدث ، ومرة واحدة فى العمر تكفي ” .
وأضاف الزيات : “أعرف جيدًا أن كلامي سيُغضِب أصحاب شركات السياحة ، ولكنني أتحدث عن المصلحة الوطنية التي أضعها فوق كل اعتبار ، ولابد أن يتحمَّل الجميع دوره فى التضحية ، وليس برفع شعارات فقط تتردد فى وسائل الإعلام ” .
من جهته ذكر معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة أنه يرحب بالخلاف الفقهي المعتبر ، ويتسع صدره للرأي المخالف ، ويقول : لقد أكدنا في مقالنا “شجاعة التجديد وعقلانية النقد” على ما يأتي :
- أن ما ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة ، وما أجمعت عليه الأمة وصار معلومًا من الدين بالضرورة؛ كأصول العقائد وفرائض الإسلام من وجوب الصلاة ، والصيام ، والزكاة ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ، كل ذلك لا مجال للخلاف فيه ، فهي أمور توقيفية لا تتغير بتغيّر الزمان ولا المكان و الأحوال ، فمجال الاجتهاد هو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي ؛ يقول الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه المستصفى: ووجوب الصلوات الخمس والزكوات وما اتفقت عليه الأمة من جليَّات الشرع فيه أدلة قطعية يأثم فيها المخالف ، فليس ذلك محل الاجتهاد.
- أننا ننظر بكل التقدير والاحترام لآراء الأئمة المجتهدين: الإمام أبي حنيفة ، والإمام مالك ، والإمام الشافعي ، والإمام أحمد ، ومن كان على شاكلتهم من العلماء والفقهاء ، ونرى أنهم جميعًا أهل علم وفضل، بذَل كل منهم وسعه في الاجتهاد والاستنباط ، وتلقت الأمة مذاهبهم بالرضا والقبول .
- نؤمن أيضًا أن بعض الفتاوى ناسبت عصرَها وزمانها ، أو مكانها ، أو أحوال المستفتين ، وأن ما كان راجحًا في عصر وفق ما اقتضته المصلحة في ذلك العصر قد يكون مرجوحًا في عصرٍ آخَر إذا تغير وجه المصلحة فيه ، وأن المُفتَى به في عصر معين ، وفي بيئة معينة ، وفي ظل ظروف معينة ، قد يصبح غيره أولى منه في الإفتاء به إذا تغيَّر العصر ، أو تغيَّرت البيئة ، أو تغيَّرت الظروف ، ما دام ذلك كله في ضوء الدليل الشرعي المعتبر، والمقاصد العامة للشريعة .
- أننا نؤمن بالرأي والرأي الآخر ، وبإمكانية تعدد الصواب في بعض القضايا الخلافيّة ، في ضوء تعدد ظروف الفتوى وملابساتها ومقدماتها ، وإذا كان بعض سلفنا الصالح قد قال : رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ، فإننا نذهب أبعد من ذلك فنقول : إن كلا الرأيين قد يكونان على صواب ، غير أن أحدهما راجح والآخر مرجوح ، فنأخذ بما نراه راجحًا مع عدم تخطئتنا لما نراه مرجوحًا ، ما دام صاحبه أهلا للاجتهاد ، ولرأيه حظ من النظر والدليل الشرعي المعتبر ، فالأقوال الراجحة ليست معصومة ، والأقوال المرجوحة ليست مهدرة ولا مهدومة .
- أن تسارع وتيرة الحياة العصرية في شتى الجوانب العلمية والاقتصادية والتكنولوجية ، إضافة إلى التقلبات والتكتلات والتحالفات والمتغيّرات السياسية ، كل ذلك يحتم على العلماء والفقهاء إعادة النظر في ضوء كل هذه المتغيِّرات ، ويعلم الجميع أن الإقدام على هذا الأمر ليس سهلاً ولا يسيرًا ، ويحتاج إلى جهود ضخمة من الأفراد والمؤسسات ، غير أننا في النهاية لابد أن ننطلق إلى الأمام ، وأن نأخذ زمام المبادرة للخروج من دائرة الجمود .
- أننا نؤمِّل ألا يسلك العقلاء مسلكَ العامة في النقد العاطفي ، أو النقد الانفعالي ، أو تجاوز الموضوعية بالتسرع في الأحكام قبل القراءة الوافية المتأنِّية لما يُراد الحكم أو التعليق عليه ، وأن نقدم المصلحة الشرعية والوطنية على أي اعتباراتٍ أخرى ، وساعتئذٍ فلا حرج في النقد الموضوعي ، ولو ردَّنا الحق عبيدًا لرددنا إليه صاغرين .
وإذا كان أهل العلم يقولون: إنه لا إنكار في المختلَف فيه ، وإنما يُنكَر على مَن خرَج على المتفق عليه ، فقد نتفق أو نختلف حول فكرة تقنين العمرة ، غير أنَّ عالمًا أو فقيهًا يُدرِك معنى فقه الواقع وفقه الأولويات لا يمكن أن يختلف معنا أو نختلف معه في أهمية ترشيد الحج والعمرة في ظل كل المعطيات العصرية ، أما أن يكون هذا الترشيد استجابة للرأي الشرعي الذي أصَّلناه أو للحس الوطني الذي يتطلب ذلك ، فهذا ما نسعى إليه .
وأما قضية التقنين وعدم التقنين فليست من سلطة العلماء تنفيذها، فهم أهل دعوةٍ ورسالة ورؤية يضَعُونها تحت نظر السلطة التشريعية ، وهذه السلطة التشريعية هي صاحبةُ السلطة التقديرية للأمور ، ولها عند التقنين أن تأخُذ بالرأي أو لا تأخذ به ، ولها أن تستطلع آراءَ العلماء والفقهاء والمؤسسات المعتبَرة ، وتُقدِّرُ ما تقتضيه المصلحة ، فتختار من بين الآراء المتعددة ما تراه مناسباً للظروف الراهنة والمصلحة الوطنية ما دام له سند فقهي معتبر .
غير أن الذي نسعى إلى تأصيله هو ضرورة القراءة الجديدة لكل القضايا القابلة للاجتهاد بلا جمود أو تحجر عند بعض الآراء التي ناسبت عصرها وزمانها وبيئتها .