خلال برنامج ندوة للرأي بقناة النيل الثقافية
د/ على الله الجمال :
الأمل توءم الإيمان والرباط بين الأمل والعمل وثيق
د/ عيد علي خليفة :
الأمل فطرة راسخة في الإنسان
والصلاة تجدد الأمل عند العبد وتجدد الاستعانة والعهد مع الله
في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به وزارة الأوقاف ، والمشاركات التثقيفية والتنويرية لقضايا الدين والمجتمع التي تسهم في بناء الإنسان ، وفي إطار التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني ، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري ، وبرعاية معالي أ.د / محمد مختار جمعة وزير الأوقاف عقدت وزارة الأوقاف مساء الثلاثاء 25/ 8/ 2020م ندوة للرأي تحت عنوان : ” الأمل حياة” بمبنى الإذاعة والتليفزيون ، تحدث فيها : الدكتور/ على الله الجمال إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها ، والدكتور / عيد علي خليفة مدير عام بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وأدار الندوة وقدم لها الإعلامي أ/ عمر حرب.
وفي كلمته أكد د/ على الله الجمال أن الأمل والإيمان قرينان متلازمان لا ينفكان ، فالمؤمنون هم أوسع الناس أملًا في الله (عزّ وجل) ، وأكثرهم تفاؤلًا واستبشارًا وأبعدهم عن اليأس والتشاؤم ، يثقون في الله (عزّ وجلّ) ، ويحسنون الظن به ، يقول الله تعالى في الحديث القدسي : ” أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي” ، فمن كان مع الله تعالى كان الله تعالى معه ، والمؤمنون إذا مرضوا لم ينقطع أملهم في الشفاء ، وإذا وقعوا في خطأ لم ييأسوا من رحمة الله وعفوه ، وإذا كانوا في ضيق أو هم أو غم وثقوا أن مع العسر يسرًا ، وإذا أصابتهم مصيبة صبروا أملًا في الأجر والثواب وثقة في وعد الله لهم بالخير ، والأمل توءم الإيمان ، يقول تعالى :” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ “، وربى الرسول (صلى الله عليه وسلم) أتباعه على ثقافة الأمل ببث هذه الروح القوية المطمئنة في قلوبهم ونفوسهم في وقت الكروب واشتداد الأزمات ، ولما أوذي(صلى الله عليه وسلم) في الطائف قال له ملك الجبال : “لو شئت أطبق عليهم الأخشبين” قال له (صلى الله عليه وسلم):” لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا”، كما زرع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الأمل في نفوس أصحاب الأعذار ، حيث قال(صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ” ، ويقول أيضًا (صلى الله عليه وسلم)”مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فغلَبَتْهُ عينُه حتى أَصْبَحَ؛ كُتِب لَهُ مَا نَوَى ، وكَانَ نَوْمُه صَدَقَةً عَلَيْهِ مِن رَبِّهِ” موضحًا أن هناك رباطًا وثيقًا بين الأمل والعمل؛ فالإنسان الذي يأمل شيئًا ويتمناه لابد أن يعمل ويسعى جاهدًا لتحقيق أمله ومراده ، كما قيل : من جَد وَجَد ، ومن زرع حصد ، ومن طلب العلى سهر الليالي ، فينبغي على المسلم في تحقيق آماله وطموحاته أن يأخذ بجميع الأسباب الموصلة إلى غايته وهدفه مع التوكل على الله تعالى؛ وهذا ما غرسه النبي (صلى الله عليه وسلم) في نفس الصحابي الذي أطلق الناقة متوكلًا على الله؛ فعن سيدنا أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رجل يا رسول الله ِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قال (صلى الله عليه وسلم) :” اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ” ، مفرقًا فضيلته بين الأمل والتفاؤل وبين التواكل والاستسلام، فالأمل يدعو إلى العمل الجاد المقرون بالتطلع إلى ما هو أحسن دون ترك الأمور رهن الحظوظ، بل إن المتفائل ينظر إلى المستقبل دون خوف منه أو جزع؛ ومهما لاقى المتفائل من عقبات ومصاعب في حياته فإنها لا تضعف قدرته، ولا تفتر من عزمه؛ لأنه يثق أن الله لا يأتي لنا إلا بما هو في صالحنا ، كما أن التفاؤل يدفع الإنسان للعمل بهمةٍ ، ويحفزه بقوة على الجد ، ويبعث على النشاط ، ويدعو المتفائل إلى عمل الخير، وعدم القنوط أبدًا.
وفى كلمته أشار د/ عيد علي خليفة إلى أن الأمل فطرة الله (عز وجل) التي فطر الناس عليها، نراها في كل تصرفات الإنسان في الكون ، والأمر في الدنيا كذلك ، فيتزوج الإنسان أملًا في السعادة وإنجاب الولد ، ويضرب في الأرض أملًا في الرزق ، ويطلب العلم أملًا في الهداية والنفع، فالأمل للحياة مثل الروح للجسد، والأمل بلا عمل تمنٍّ كاذب، والعمل بلا أملٍ موات ، وما من عمل إلا والأمل كامن فيه ، والأمل فطرة راسخة في الإنسان تحتاج إلى رعاية مستمرة، وتنمية متواصلة، ومراقبة دائمة، حتى لا تنحرف إلى إفراط يقع الإنسان به في طول الأمل والركون إلى الدنيا والخلود، وهو الأمل المذموم الذي حذر منه القرآن الكريم ، قال تعالى: “ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ”.
والإيمان حين تخالط بشاشته القلوب يجعل الإنسان عنده تفاؤل وحسن ظن بالله قال تعالى لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أصعب اللحظات ” وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى”.
ولله در القائل :
فكم لله من لطف خفي
يدق خفاه عن فهم الذكي
وكم يسر أتى من بعد عسر
ففرج كربة القلب الشجي
وكم أمر تساء به صباحا
وتأتيك المسرة في العشي
إذا ضاقت بك الأحوال يوما
فثق بالواحد الفرد العلي
ولا تجزع إذا ما ناب خطب
فكم لله من لطف خفي
كما أشار فضيلته إلى أن القرآن الكريم يعلمنا تجديد الأمل عند المؤمنين إذ يذكرهم بماضيهم وواقعهم الحالي ويقيس المستقبل على الماضي حتى يتجدد فيهم الأمل ، يقول تعالى :” وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” ، وحياة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كلها أمل ورجاء ، فرحلة الهجرة كانت مفعمة بالأمل بالله (عز وجل) ، فحين تتبع المشركون رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه الصِّديق (رضي الله عنه) حتى غار ثور ، وقال سيدنا الصِّديق (رضي الله عنه) لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ” لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا ” ، فقال له نبينا (صلى الله عليه وسلم) في أشد اللحظات : ” لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ، يا أبا بكر ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا” ، فالأمل حسن ظن في الله (عز وجل) .
كما أكد أن الصلاة تجدد الأمل عند العبد وتجدد الاستعانة والعهد مع الله تعالى ، قال تعالى في الحديث القدسي : “قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ العَبْدُ : الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، قال اللهُ تَعَالَى : حَمِدَنِي عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي ، وَقَالَ مَرَّةً : فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي ، فَإِذَا قَالَ : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ : اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ، قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ” ، فينبغي أن نأخذ بالأسباب ، ونترك النتائج له (سبحانه وتعالى) ، فإن أحسنّا الأخذ بالأسباب وأحسنّا التوكل على الله (عزّ وجلّ) فتح لنا أبواب الأمل في الدنيا والآخرة ، يقول تعالى : “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” ، ويقول سبحانه : “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا”.