كتب معالي وزير الأوقاف أ.د / محمد مختار جمعة اليوم الأحد 27 / 7 / 2014 م أثناء زيارته للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية مقدمة موسوعة التاريخ الإسلامي التي أكد فيها أن الحضارة الإسلامية حضارة عظيمة ، فهي حضارة بناء لا هدم ، ولم يعرف التاريخ حضارة كانت أكثر استيعابًا وتقديرًا للحضارات الأخرى وعلومها ومعارفها ، والعمل على ترجمتها ، والإفادة منهما ، دون تحقيرًا أو تهوين ، مثل حضارة الإسلام السمحة التي فتحت الباب واسعًا أمام غير المسلمين لتقلد مناصب هامة في الدولة الإسلامية ، وبخاصة في مجالات الدواوين ، والكتابة ، والمال ، ناهيك عن إفساح المجال العلمي لهم في الطب والصيدلة والفلك والرياضيات وسائر العلوم التي حرص حكام المسلمين وولاتهم على العناية بها حرصهم على العلوم الشرعية أو أشد .
وهذا نص المقدمة :
الحمد لله رب العاملين ، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله ، سيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن قضايا الحضارة والثقافة أمور تراكمية لا يمكن القفز بها فوق الزمن ، وإذا كان بعض علماء النفس يقولون : إن المعلومات الحديثة تفسر في ضوء المخزون الثقافي لدى المتلقي ، فكلما كان هذا المخزون وافرًا كان استيعاب الجديد والحديث أسهل وأيسر ، وكلما كان المخزون شحيحًا أو ضئيلاً أو ناضبًا حدث تعثر في الفهم بقدر هذا الشح والنضوب وتلك الضآلة.
وإذا كان هذا على مستوى الأفراد في فهمهم واستيعابهم وقدرتهم على التعامل مع المستجدات، فإن أحوال الأمم لا تختلف كثيرًا ، وإذا كان بعض الحكماء يقولون : من لا ماضي له فلا حاضر له ولا مستقبل ، فإننا ندقق العبارة فتقول : من لا ماضي له فلا حاضر له ولا مستقبل إلا بجهد جهيد ، ففرق شاسع بين من يبني على أساس صلب متين ، وبين من يبني في الهواء الطلق: ولله در الشاعر العربي حيث يقول:
ومـا يـك مـن مجــد أتــوه فإنمـا توارثـــــه آبــــاء آبـائهـــــم قبــل
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ” ، فالعاقل من يأخذ من ماضيه العبر والعظات ، والنافع والمفيد ، ليبني عليه في الحاضر ، وينطلق منه للمستقبل.
ولا شك أننا نملك حضارة عظيمة حكمت العالم وسادت ربوعه قرونًا طويلة ، وكان لها يد السبق في السلطة والحكم ، والعلوم والمعارف، وتميزت بأنها حضارة بناء لا هدم ، فلم يعرف التاريخ حضارة كانت أكثر استيعابًا وتقديرًا للحضارات الأخرى وعلومها ومعارفها ، والعمل على ترجمتها ، والإفادة منهما ، دون تحقير أو تهوين ، مثل حضارة الإسلام السمحة التي فتحت الباب واسعًا أمام غير المسلمين لتقلد مناصب هامة في الدولة الإسلامية ، وبخاصة في مجالات : الدواوين ، والكتابة ، والمال ، ناهيك عن إفساح المجال العلمي لهم في الطب والصيدلة والفلك والرياضيات وسائر العلوم التي حرص حكام المسلمين وولاتهم على العناية بها حرصهم على العلوم الشرعية أو أشد .
ولا شك أن هذه الأمة ولادة ، وأنها وإن مرضت يومًا فلن تموت بإذن الله أبدًا ، ولن يجف معينها ، ولا معين أبنائها ، ولا تزال طائفة من أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى أن تقوم الساعة ، وأن أبناء هذه الأمة لقادرون على النهوض به مرة أخرى لو أن الله عز وجل هيأ لهم من أمرهم رشدًا ، وأخذوا بأسباب الحضارة والرقى من العلم والعمل معًا، وما ذلك على الله بعزيز ولا ببعيد .
وإننا لعلى أمل في أن يحدث أبناء جيلنا نقلة نوعية ليس في تاريخ الحضارة الإسلامية فحسب ، وإنما في تاريخ الحضارة الإنسانية ، شريطة أن ندرك عظم المسئولية ، ودقة المرحلة ، مع التفاني في العمل ، وإخلاص النية لله ( عز وجل ) ، وتقديم مصلحة الوطن على أى مصالح شخصية ، أو فئوية ، أو حزبية ، وصدق الله ( عز وجل ) إذ يقول في كتابه العزيز: ” … فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ ” (الرعد: 17).
وفي إطار هذا النافع المفيد يسرنا أن نقدم للمثقف العربي وغير العربي تلك الموسوعة الرائدة في التاريخ الإسلامي ، لتُلقي مزيدًا من الضوء على بعض الجوانب والصفحات الناصعة المشرفة من هذا التاريخ العظيم ، وتشكل مفاتيح هامة لكثير من موضوعاته وقضاياه.
والله الموفق والمستعان..