شكر وتقدير للكاتب الكبير الأستاذ / إبراهيم نصر على مقاله المتميز المنشور على بوابة الأسبوع
يسر المركز الإعلامي بوزارة الأوقاف أن يتقدم بخالص الشكر والتقدير للكاتب الكبير الأستاذ/ إبراهيم نصر على مقاله المتميز المنشور على بوابة الأسبوع اليوم الثلاثاء 11 / 8 / 2020م تحت عنوان : “حينما يكون العالِم مستنيرًا” ، والذي جاء فيه :
لا خلاف على أن علماء الأزهر الشريف الراسخين في العلم، تتفاوت استنارتهم على قدر تفاعلهم مع مستجدات العصر، ومواكبة قضايا أمتهم بما يخدم مصلحة البلاد والعباد من منطلق مقولة: “حيثما توجد المصلحة فثم شرع الله”، وهذا صحيح فيما سكت عنه الشارع، وتركه لاجتهادنا وعقولنا، أما ما فيه نص قطعي الثبوت والدلالة، فالصواب أن نقول: “حيث يوجد شرع الله فثم المصلحة”.
وهؤلاء العلماء “المستنيرين” تجدهم دائما في خدمة قضية تجديد الخطاب الديني المثارة على الدوام، لكونها مطلب شرعي لمراعاة مقتضى أحوال الناس وظروفهم المحلية والدولية، حيث يعيش العالم الآن في قرية صغيرة لا تستطيع فيه دولة أن تعيش بمعزل عن بقية الدول، وإلا كان الهلاك والزوال مصيرها.
وللإنصاف فإن الدكتور/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف من أكثر علماء الأزهر المستنيرين بالمعنى الذي ذكرناه، فهو لا يألو جهدًا أو يدخر وقتًا لتصحيح الأفكار البالية والفتاوى التي تخطاها الزمن وصارت لا تصلح لأبناء هذا العصر، ولو أن مصدري هذه الفتاوى أنفسهم بيننا الآن لغيروا فتاواهم لتحقيق المصلحة فيما يتعلق بمستجدات الحياة، ومراعاة ظروف المستفتين، لأن الثابت هو تغير الفقه واختلاف الفتوى حسب الزمان والمكان والمستفتي والظروف التي يعيشها.
من هذا المنطلق صدر مؤخرًا كتاب: “حتمية التجديد الفقهي” وهو أحدث مؤلفات الدكتور/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، يبين فيه أن الفقه علم ذو طبيعة خاصة، وأنه صناعة ثقيلة لا يصلح لها الهواة ولا غير المؤهلين، وأنه يحتاج إلى إعداد خاص لصقل شخصية المفتي أو الفقيه.
يؤكد الكتاب أن الدين قائم على السماحة واليسر، ويحذر من أدلجة الفقهاء والمفتين، ويفرق بوضوح بين الخلاف الفقهي والخلاف السياسي، فاختلاف العلماء سعة، والخروج بالخلاف من الديني أو الفقهي إلى التوظيف السياسي أو الحزبي للفقه أو الفتوى مهلكة للدين والدنيا معًا.
يقول وزير الأوقاف في مقدمة الكتاب: إن الفقه هو التيسير بدليل، الفقه رخصة من ثقة، الفقه هو القدرة على التجديد المنضبط بضوابط الشرع، الفقه هو معرفة الأحكام الجزئية المستنبطة من أدلتها الكلية، الفقه فهم مقاصد النصوص وأبعادها ومراميها ومآلاتها دون الوقوف أو التحجر عند ظواهر بعض النصوص، الفقه هو إعمال العقل في فهم صحيح النص، الفقه هو مراعاة ظروف الزمان والمكان وأحوال المستفتين وعاداتهم وقرائن أحوالهم، الفقه هو مراعاة ترتيب الأولويات ووضع كل منها في موضعه، الفقه ملَكة عظيمة تُبنى على الخبرة والدُربة وطول الممارسة وكثرة التحصيل والدرس والفهم، وليس مجرد حفظ بعض الأحكام لبعض المسائل حتى دون معرفة مبتداها ولا منتهاها ولا وجوه استنباطها ولا القواعد الفقهية أو الأصولية التي تخرجت أو بُنيت عليها أقوال الفقهاء.
في الوقت نفسه يؤكد وزير الأوقاف أن ما ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة، وما أجمعت عليه الأمة وصار معلومًا من الدين بالضرورة كأصول العقائد وفرائض الإسلام من وجوب الصلاة، والصيام، والزكاة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، كل ذلك لا مجال للخلاف فيه، فهي أمور توقيفية لا تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، ونؤكد أننا ننظر بكل التقدير والاحترام لآراء الأئمة المجتهدين: الإمام أبي حنيفة، الإمام مالك، الإمام الشافعي، والإمام أحمد، ومن كان على شاكلتهم من العلماء والفقهاء المعتبرين في اجتهادهم، نرى أنهم جميعًا أهل علم وفضل، فقد بذل كلٌ منهم وسعه في الاجتهاد والاستنباط في ضوء معطيات عصره، وتلقت الأمة مذاهبهم بالرضا والقبول، موضحًا أن بعض الفتاوى ناسبت عصرها وزمانها أو مكانها، أو أحوال المستفتين، وأن ما كان راجحًا في عصر وفق ما اقتضته المصلحة في ذلك العصر قد يكون مرجوحًا في عصر آخر إذا تغيرت ظروف هذا العصر وتغير وجه المصلحة فيه، وأن المُفتَى به في عصر معين وفي بيئة معينة، وفي ظل ظروف معينة، قد يصبح غيره أولى منه في الإفتاء به إذا تغيَّر العصر، أو تغيَّرت البيئة، أو تغيَّرت الظروف، ما دام ذلك كله في ضوء الدليل الشرعي المعتبر، والمقاصد العامة للشريعة؛ ما دام الأمر صادرًا عن من هو – أو من هم – أهل للاجتهاد والنظر.
وأخيرًا يقول الوزير في نهاية تقديمه لأحدث إصداراته: إننا لنؤمن بالرأي والرأي الآخر، فإذا كان بعض سلفنا الصالح قد قال: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، فإننا نذهب أبعد من ذلك فنقول: إنَّ كلا الرأيين قد يكونان على صواب، غير أن أحدهما راجح والآخر مرجوح، فنأخذ بما نراه راجحًا مع عدم تخطئتنا لما نراه مرجوحًا، ما دام صاحبه أهلا للاجتهاد، ولرأيه حظ من النظر والدليل الشرعي المعتبر، فالأقوال الراجحة ليست معصومة، والأقوال المرجوحة ليست مهدرة ولا مهدومة، ومن ثمة كانت حتمية التجديد الفقهي.